يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول أبو بكر الأزرق - لأنه كان أزرق العينين - التنوخي الكاتب، سمع جده والزبير بن بكار، والحسين بن عرفة وغيرهم، وكان خشن العيش كثير الصدقة. فيقال إنه تصدق بمائة ألف دينار، وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر، روى عنه الدارقطني وغيره من الحفاظ، وكان ثقة عدلا. توفي في ذي الحجة منها عن ثنتين وتسعين سنة رحمه الله تعالى.
ثم دخلت سنة ثلاثين وثلاثمائة قال ابن الجوزي: في المحرم منها ظهر كوكب بذنب رأسه إلى المغرب وذنبه إلى المشرق، وكان عظيما جدا، وذنبه منتشر، وبقي ثلاثة عشر يوما إلى أن اضمحل. قال: وقد نصف ربيع الأول بلغ الكر من الحنطة مائتي دينار، وأكل الضعفاء الميتة، ودام الغلاء وكثر الموت، وتقطعت السبل وشغل الناس بالمرض والفقر، وتركوا دفن الموتى، واشغلوا عن الملاهي واللعب. قال: ثم جاء مطر كأفواه القرب، وبلغت زيادة دجلة عشرين ذراعا وثلثا. وذكر ابن الأثير في الكامل: أن محمد بن رائق وقع بينه وبين البريدي وحشة لأجل أن البريدي منع خراج واسط، فركب إليه ابن رائق ليتسلم ما عنده من المال، فوقعت مصالحة ورجع ابن رائق إلى بغداد، فطالبه الجند بأرزاقهم، وضاق عليه حاله، وتحيز جماعة من الأتراك عنه إلى البريدي فضعف جانب ابن رائق وكاتب البريدي بالوزارة ببغداد، ثم قطع اسم الوزارة عنه، فاشتد حنق البريدي عليه، وعزم على أخذ بغداد، فبعث أخاه أبا الحسين في جيش إلى بغداد، فتحصن ابن رائق مع الخليفة بدار الخلافة ونصبت فيها المجانيق والعرادات - العرادة شئ أصغر من المنجنيق - على دجلة أيضا. فاضطربت أهل بغداد ونهب الناس بعضهم بعضا ليلا ونهارا، وجاء أبو الحسين أخو أبي عبد الله البريدي بمن معه فقاتلهم الناس في البر وفي دجلة، وتفاقم الحال جدا، مع ما الناس فيه من الغلاء والوباء والفناء. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم إن الخليفة وابن رائق انهزما في جمادى الآخرة - ومع الخليفة ابنه [أبو] (1) منصور - في عشرين فارسا، فقصدوا نحو الموصل، واستحوذ أبو الحسين على دار الخلافة وقتل من وجد فيها من الحاشية، ونهبوها حتى وصل النهب إلى الحريم، ولم يتعرضوا للقاهر وهو إذ ذاك أعمى مكفوفا، وأخرجوا كورتكين من الحبس، فبعثه أبو الحسين إلى البريدي، فكان آخر العهد به، ونهبوا بغداد جهارا علانية، ونزل أبو الحسين بدار مؤنس الخادم التي كان يسكنها ابن رائق، وكانوا يكبسون الدور ويأخذون ما فيها من الأموال، فكثر الجور وغلت الأسعار جدا، وضرب أبو الحسين المكس على الحنطة والشعير، وذاق أهل بغداد لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. وكان معه طائفة كبيرة من القرامطة فأفسدوا في البلد فسادا عظيما، ووقع بينهم وبين الأتراك حروب طويلة شديدة،