بجكم التركي أمير الأمراء ببغداد، قبل بني بويه. كان عاقلا يفهم بالعربية ولا يتكلم بها. يقول أخاف أن أخطئ والخطأ من الرئيس قبيح. وكان مع ذلك يحب العلم وأهله، وكان كثير الأموال والصدقات، ابتدأ يعمل مارستان بغداد فلم يتم، فجدده عضد الدولة بن بويه، وكان بجكم يقول: العدل ربح السلطان في الدنيا والآخرة. وكان يدفن أموالا كثيرة في الصحراء، فلما مات لم يدر أين هي، وكان ندماء الراضي قد التفوا على بجكم وهو بواسط، وكان قد ضمنها بثمانمائة ألف دينار من الخليفة، وكانوا يسامرونه كالخليفة، وكان لا يفهم أكثر ما يقولون، وراض له مزاجه الطيب سنان بن ثابت الصابي حتى لان خلقه وحسنت سيرته، وقلت سطوته، ولكن لم يعمر إلا قليلا بعد ذلك. ودخل عليه مرة رجل فوعظه فأبكاه فأمر له بمائة ألف درهم، فلحقه بها الرسول فقال بجكم لجلسائه: ما أظنه يقبلها ولا يريدها، وما يصنع هذا بالدنيا؟ هذا رجل مشغول بالعبادة، ماذا يصنع بالدراهم؟ فما كان بأسرع من أن رجع الغلام وليس معه شئ، فقال بجكم: قبلها؟ قال:
نعم! فقال بجكم: كلنا صيادون ولكن الشباك مختلفة. توفي لسبع بقين من رجب من هذه السنة.
وسبب موته أنه خرج يتصيد فلقي طائفة من الأكراد فاستهان بهم فقاتلوه فضربه رجل منهم فقتله.
وكانت إمرته على بغداد سنتين وثمانية أشهر وتسعة. أيام وخلف من الأموال والحواصل ما ينيف على ألفي ألف دينار، أخذها المتقي لله كلها.
أبو محمد البربهاري (1) العالم الزاهد الفقيه الحنبلي الواعظ، صاحب المروزي وسهلا التستري، وتنزه عن ميراث أبيه، - وكان سبعين ألفا (2) - لأمر كرهه. وكان شديد على أهل البدع والمعاصي، وكان كبير القدر تعظمه الخاصة والعامة، وقد عطس يوما وهو يعظ فشمته الحاضرون، ثم شمته من سمعهم حتى شمته أهل بغداد، فانتهت الضجة إلى دار الخلافة، فغار الخليفة من ذلك وتكلم فيه جماعة من أرباب الدولة، فطلب فاختفى عند أخت بوران (3) شهرا، ثم أخذه القيام - داء - فمات عندها، فأمرت خادمها فصلى عليه، فامتلأت الدار رجالا عليهم ثياب بياض. ودفنته عندها ثم أوصت إذا ماتت أن تدفن عنده. وكان عمره يوم مات ستا وتسعين (4) سنة رحمه الله.
.