هجر، فجهز الخليفة إليهم جيشا كثيفا وأمر عليهم العباس بن عمرو الغنوي، وأمر على اليمامة والبحرين ليحارب أبا سعيد هذا، فالتقوا هنالك وكان العباس في عشرة آلاف مقاتل، فأسرهم أبو سعيد كلهم (1) ولم ينج منهم إلا الأمير وحده، وقتل الباقون عن آخرهم صبرا بين يديه قبحه الله.
وهذا عجيب جدا، وهو عكس واقعة عمرو بن الليث فإنه أسر من بين أصحابه وحده ونجوا كلهم وكانوا خمسين ألفا. ويقال إن العباس لما قتل أبو سعيد أصحابه صبرا بين يديه وهو ينظر، وكان في جملة من أسر أقام عند أبي سعيد أياما ثم أطلقه وحمله على رواحل وقال: ارجع إلى صاحبك وأخبره بما رأيت. وقد كانت هذه الواقعة في أواخر شعبان منها (2)، فلما وقع هذا الامر الفظيع انزعج الناس لذلك انزعاجا عظيما جدا، وهم أهل البصرة بالخروج منها فمنعهم من ذلك نائبها أحمد الواثقي.
وفيها أغارت الروم على بلاد طرسوس وكان نائبها ابن الاخشيد قد توفي في العام الماضي واستخلف على الثغر أبا نابت، فطمعت الروم في تلك الناحية وحشدوا عساكرهم، فالتقى بهم أبو ثابت فلم يقدر على مقاومتهم، فقتلوا من أصحابه جماعة وأسروه فيمن أسروا، فاجتمع أهل الثغر على ابن الأعرابي فولوه أمرهم. وذلك في ربيع الآخر. وفيها قتل:
محمد بن زيد العلوي أمير طبرستان والديلم. وكان سبب ذلك أن إسماعيل الساماني لما ظفر بعمرو بن الليث ظن محمد أن إسماعيل لا يجاوز عمله، وأن خراسان قد خلت له، فارتحل من بلده يريد خراسان، وسبقه إسماعيل إليها، وكتب إليه أن الزم عملك ولا تتجاوزه إلى غيره فلم يقبل، فبعث إليه جيشا مع محمد بن هارون الذي كان ينوب عن رافع بن هرثمة، فلما التقيا هرب منه محمد بن هارون خديعة، فسار الجيش وراءه في الطلب فكر عليهم راجعا فانهزموا منه فأخذ ما في معسكرهم وجرح محمد بن زيد جراحات شديدة فمات بسببها بعد أيام، وأسره ولده زيد فبعث به إلى إسماعيل بن أحمد فأكرمه وأمر له بجائزة. وقد كان محمد بن زيد هذا فاضلا دينا حسن السيرة فيما وليه من تلك البلاد، وكان فيه تشيع. تقدم إليه يوما خصمان اسم أحدهما معاوية واسم الآخر علي، فقال محمد بن زيد إن الحكم بينكما ظاهر، فقال معاوية: أيها الأمير لا تغترن بنا، فإن أبي كان من كبار الشيعة، وإنما سماني معاوية مداراة لمن ببلدنا من أهل السنة. وهذا كان أبوه من كبار النواصب فسماه عليا تقاة لكم، فتبسم محمد بن زيد وأحسن إليهما.
.