المغرب وله من العمر تسع وثلاثون سنة، وكانت خلافته سبع سنين وستة (1) عشر يوما، وكان عاقلا شجاعا فاتكا قهر أبا يزيد الخارجي الذي كان لا يطاق شجاعة وإقداما وصبرا، وكان فصيحا بليغا، يرتجل الخطبة على البديهة في الساعة الراهنة. وكان سبب موته ضعف الحرارة الغريزية كما أورده ابن الأثير في كامله، فاختلف عليه الأطباء، وقد عهد بالامر إلى المعز الفاطمي وهو باني القاهرة المعزية كما سيأتي بيانه واسمه، وكان عمره إذ ذاك أربعا وعشرين سنة (2)، وكان شجاعا عاقلا أيضا حازم الرأي، أطاعه من البربر وأهل تلك النواحي خلق كثير، وبعث مولاه جوهر القائد فبنى له القاهرة المتاخمة لمصر، واتخذ له فيها دار الملك، وهما القصران اللذان هناك - اللذان يقال لهما بين القصرين اليوم - وذلك في سنة أربع وستين وثلاثمائة كما سيأتي. وممن توفي فيها من الأعيان:
إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح أبو علي الصفار أحد المحدثين، لقي المبرد واشتهر بصحبته، وكان مولده في سنة سبع وأربعين ومائتين، وسمع الحسن بن عرفة وعباسا الدوري وغيرهما، وروى عنه جماعة منهم الدارقطني. قال صام أربعة وثمانين رمضانا، وقد كانت وفاته في هذه السنة عن أربع وتسعين سنة رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد زياد ابن يونس بن درهم أبو سعيد بن الأعرابي، سكن مكة وصار شيخ الحرم، وصحب الجنيد بن محمد والنوري وغيرهما، وأسند وصنف كتابا للصوفية.
(إسماعيل بن القائم) بن المهدي الملقب بالمنصور العبيدي الذي يزعم أنه فاطمي، صاحب بلاد المغرب. وهو والد المعز باني القاهرة، وهو باني المنصورية ببلاد المغرب. قال أبو جعفر المروزي: خرجت معه لما كسر أبا يزيد الخارجي، فبينما أنا أسير معه إذ سقط رمحه فنزلت فناولته إياه وذهبت أفاكهه بقول الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر فقال: هلا قلت كما قال الله تعالى: (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) [الشعراء: 45] (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين) [الأعراف: 117] قال فقلت له: أنت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ببعض ما علمت، وأنا قلت بما بلغ به أكثر علمي. قال ابن خلكان: وهذا كما جرى لعبد الملك بن مروان حين أمر الحجاج أن يبني بابا ببيت المقدس ويكتب عليه اسمه، فبنى له بابا وبنى لنفسه باب آخر، فوقعت .