سبكتكين الحاجب التركي مولى المعز الديلمي وحاجبه، وقد ترقى في المراتب حتى آل به الامر إلى أن قلده الطائع الامارة وخلع عليه وأعطاه اللواء، ولقبه بنور الدولة، وكانت مدة أيامه في هذه المقام شهرين وثلاثة عشر يوما، ودفن ببغداد وداره هي دار الملك ببغداد، وهي دار عظيمة جدا، وقد اتفق له أنه سقط مرة عن فرسه فانكسر صلبه فداواه الطبيب حتى استقام ظهره وقدر على الصلاة إلا أنه لا يستطيع الركوع، فأعطاه شيئا كثيرا من الأموال، وكان يقول للطبيب: إذا ذكرت وجعي ومداواتك لي لا أقدر على مكافأتك، لكن إذا تذكرت وضعك قدميك على ظهري اشتد غضبي منك. توفي ليلة الثلاثاء لسبع بقين من المحرم منها، وقد ترك من الأموال شيئا كثيرا جدا، من ذلك ألف ألف دينار وعشر آلاف ألف درهم، وصندوقان من جوهر، وخمسة عشر صندوقا من البلور، وخمسة وأربعين صندوقا من آنية الذهب، ومائة وثلاثون كوكبا من ذهب، منها خمسون وزن كل واحد ألف دينار، وستمائة مركب من فضة وأربعة آلاف ثوب من ديباج، وعشرة آلاف ديبقي وعتابي، وثلاثمائة عدل معكومة من الفرش، وثلاثة آلاف فرس وألف جمل وثلاثمائة غلام وأربعون خادما وذلك غير ما أودع عند أبي بكر البزار. وكان صاحبه.
ثم دخلت سنة خمس وستين وثلاثمائة فيها قسم ركن الدولة بن بويه ممالكه بين أولاده عندما كبرت سنه، فجعل لولده عضد الدولة بلاد فارس وكرمان وأرجان، ولولده مؤيد الدولة الري وأصبهان، ولفخر الدولة همدان والدينور، وجعل ولده أبا العباس في كنف عضد الدولة وأوصاه به. وفيها جلس قاضي القضاة ببغداد أبو محمد بن معروف في دار عز الدولة لفصل الحكومات عن أمره له بذلك، فحكم بين يديه بين الناس وفيها حج بالناس أمير المصريين من جهة العزيز الفاطمي بعد ما حاصر أهل مكة ولقوا شدة عظيمة، وغلت الأسعار بها جدا. وفيها ذكر ابن الأثير: أن يوسف بلكين (1) نائب المعز الفاطمي على بلاد إفريقية ذهب إلى سبتة فأشرف عليها من جبل فطل عليها فجعل يتأمل من أين يحاصرها، فحاصرها نصف يوم فخافه أهلها خوفا شديدا، ثم انصرف عنها إلى مدينة هنالك يقال لها بصرة في المغرب، فأمر بهدمها ونهبها، ثم سار إلى مدينة برغواطة وبها رجل يقال له عيسى (2) بن أم الأنصار، وهو ملكها، وقد اشتدت المحنة به لسحره وشعبذته وادعى أنه نبي فأطاعوه، ووضع لهم شريعة يقتدون بها، فقاتلهم بلكين فهزمهم وقتل هذا الفاجر ونهب أموالهم وسبى ذراريهم فلم ير سبي أحسن أشكالا منهم فيما ذكره أهل تلك البلاد في ذلك الزمان.
.