أربع وثمانين ومائتين، وولي القضاء في زمن المطيع نيابة عن أبي السائب عتبة بن عبيد الله، ثم ولي قضاء القضاة، وهو أول من ولي قضاء القضاة من الشافعية سوى أبي السائب، وكان جيد السيرة في القضاء. توفي في ربيع الأول منها.
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة في عاشر المحرم منها عملت الرافضة عزاء الحسين كما تقدم في السنة الماضية اقتتل الروافض وأهل السنة في هذا اليوم قتالا شديدا، وانتهبت الأموال. وفيها عصى نجا غلام سيف الدولة عليه، وذلك أنه كان في العام الماضي قد صادر أهل حران وأخذ منهم أموالا جزيلة فتمرد بها وذهب إلى أذربيجان (1) وأخذ طائفة منها من يد رجل من الاعراب يقال له أبو الورد، فقتله وأخذ من أمواله شيئا كثيرا، وقويت شوكته بسبب ذلك، فسار إليه سيف الدولة فأخذه وأمر بقتله (2) فقتل بين يديه، وألقيت جثته في الأقذار. وفيها جاء الدمستق إلى المصيصة فحاصرها وثقب سورها، فدافعه أهلها فأحرق رستاقها وقتل ممن حولها خمسة عشر ألفا وعاثوا فسادا في بلاد أذنة وطرسوس، وكر راجعا إلى بلاده. وفيها قصد معز الدولة الموصل وجزيرة ابن عمر فأخذ الموصل وأقام بها، فراسله في الصلح صاحبها فاصطلحا على أن يكون الحمل في كل سنة (3)، وأن يكون أبو تغلب بن ناصر الدولة ولي عهد أبيه من بعده، فأجاب معز الدولة إلى ذلك، وكر راجعا إلى بغداد بعد ما جرت له خطوب كثيرة استقصاها ابن الأثير. وفيها ظهر رجل ببلاد الديلم وهو أبو عبد الله محمد بن الحسين من أولاد الحسين بن علي، ويعرف بابن الداعي، فالتف عليه خلق كثير، ودعا إلى نفسه وتسمى بالمهدي، وكان أصله من بغداد وعظم شأنه بتلك البلاد، وهرب منه ابن الناصر العلوي. وفيها قصد ملك الروم وفي صحبته الدمستق ملك الأرمن بلاد طرسوس فحاصرها مدة ثم غلت عليهم الأسعار وأخذهم الوباء فمات كثير منهم فكروا راجعين (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) [الأحزاب: 25] وكان من عزمهم يريدون أن يستحوذوا على البلاد الاسلامية كلها، وذلك لسوء حكامها وفساد عقائدهم في الصحابة فسلم الله ورجعوا خائبين. وفيها كانت وقعة المختار (4) ببلاد صقلية، وذلك أنه أقبل من الروم خلق كثير، ومن الفرنج ما يقارب مائة ألف، فبعث أهل صقلية إلى المعز الفاطمي يستنجدونه، فبعث إليهم جيوشا .