وفيها توفي من الأعيان..
عبد الصمد بن عمر بن إسحاق أبو القاسم الدينوري الواعظ الزاهد، قرأ القرآن ودرس على مذهب الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وسمع الحديث من النجاد، وروى عنه الصيمري، وكان ثقة صالحا، يضرب به المثل في مجاهدة النفس، واستعمال الصدق المحض، والتعفف والتفقه والتقشف، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن وعظه ووقعه في القلوب، جاءه يوما رجل بمائة دينار فقال: أنا غني عنها، قال خذها ففرقها على أصحابك هؤلاء، فقال: ضعها على الأرض. فوضعها ثم قال للجماعة. ليأخذ كل واحد منكم حاجته منها، فجعلوا يأخذون بقدر حاجاتهم حتى أنفذوها، وجاء ولده بعد ذلك فشكى إليه حاجتهم فقال: اذهب إلى البقال فخذ على ربع رطل تمر. ورآه رجل وقد اشترى دجاجة وحلواء فتعجب من ذلك فاتبعه إلى دار فيها امرأة ولها أيتام فدفعها إليهم، وقد كان يدق السعد للعطارين بالأجرة ويقتات منه، ولما حضرته الوفاة جعل يقول: سيدي لهذه الساعة خبأتك. توفي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة منها، وصلي عليه بالجامع المنصوري، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
أبو العباس بن واصل صاحب سيراف والبصرة وغيرهم، كان أولا يخدم بالكرخ، وكان منصورا له أنه سيملك، كان أصحابه يهزؤون به، فيقول أحدهم: إذا ملكت فأي شئ تعطيني؟ ويقول الآخر: ولني، ويقول الآخر: استخدمني، ويقول الآخر: اخلع علي: فقدر له أنه تقلبت به الأحوال حتى ملك سيراف والبصرة، وأخذ بلاد البطيحة من مهذب الدولة، وأخرجه طريدا، بحيث إنه احتاج في أثناء الطريق إلى أن ركب بقرة. واستحوذ ابن واصل على ما هناك، وقصد الأهواز وهزم بهاء الدولة، ثم ظفر به بهاء الدولة فقتله في شعبان منها، وطيف برأسه في البلاد.
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة فيها غزا يمين الدولة محمود بن سبكتكين بلاد الهند، ففتح حصونا كثيرة، وأخذ أموالا جزيلة وجواهر نفيسة، وكان في جملة ما وجد بيت طوله ثلاثون ذراعا وعرضه خمسة عشر ذراعا مملوءا فضة، ولما رجع إلى غزنة بسط هذه الأموال كلها في صحن داره وأذن لرسل الملك فدخلوا عليه فرأوا ما بهرهم وهالهم، وفي يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الآخر وقع ببغداد ثلج عظيم، بحيث بقي على وجه الأرض ذراعا ونصفا (1)، ومكث أسبوعا لم يذب (2) وبلغ سقوطه إلى تكريت والكوفة وعبادان