سرير بين يدي الخليفة، وجاء رجلان من الديلم فمدا أيديهم إلى الخليفة فأنزلاه عن كرسيه، وسحباه فتحربت عمامته في حلقه، ونهض معز الدولة واضطربت دار الخلافة حتى خلص إلى الحريم، وتفاقم الحال، وسيق الخليفة ماشيا إلى دار معز الدولة فاعتقل بها، وأحضر أبو القاسم الفضل بن المقتدر فبويع بالخلافة وسملت عينا المستكفى وأودع السجن فلم يزل به مسجونا حتى كانت وفاته في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة كما يأتي ذكر ترجمته هناك.
خلافة المطيع لله لما قدم معز الدولة بغداد وقبض على المستكفي وسمل عينيه. استدعى بأبي القاسم الفضل بن المقتدر بالله، وقد كان مختفيا من المستكفي وهو يحث على طلبه ويجتهد، فلم يقدر عليه، ويقال إنه اجتمع بمعز الدولة سرا فحرضه على المستكفي حتى كان من أمره ما كان، ثم أحضره وبويع له بالخلافة ولقب بالمطيع لله، وبايعه الأمراء والأعيان والعامة، وضعف أمر الخلافة جدا حتى لم يبق للخليفة أمر ولا نهي ولا وزير أيضا، وإنما يكون له كاتب على أقطاعه، وإنما الدولة مورد المملكة ومصدرها راجع إلى معز الدولة، وذلك لان بني بويه ومن معهم من الديلم كان فيهم تعسف شديد، وكانوا يرون أن بني العباس قد غصبوا الامر من العلويين، حتى عزم معز الدولة على تحويل الخلافة إلى العلويين واستشار أصحابه فكلهم أشار عليه بذلك، إلا رجلا واحدا من أصحابه، كان سديد الرأي فيهم، فقال لا أرى لك ذلك. قال: ولم ذاك؟ قال: لان هذا خليفة ترى أنت وأصحابك أنه غير صحيح الامارة حتى لو أمرت بقتله قتله أصحابك، ولو وليت رجلا من العلويين اعتقدت أنت وأصحابك ولايته صحيحة فلو أمرت بقتله لم تطع بذلك، ولو أمر بقتلك لقتلك أصحابك.
فلما فهم ذلك صرفه عن رأيه الأول وترك ما كان عزم عليه للدنيا لا لله عز وجل.
ثم نشبت الحرب بين ناصر الدولة بن حمدان وبين معز الدولة بن بويه، فركب ناصر الدولة بعدما خرج معز الدولة والخليفة إلى عكبرا فدخل بغداد فأخذ الجانب الشرقي ثم الغربي، وضعف أمر معز الدولة والديلم الذين كانوا معه، ثم مكر به معز الدولة وخدعه حتى استظهر عليه وانتصر أصحابه فنهبوا بغداد وما قدروا عليه من أموال التجار وغيرهم، وكان قيمة ما أخذ أصحاب معز الدولة من الناس عشرة آلاف ألف دينار، ثم وقع الصلح بين ناصر الدولة ومعز الدولة، ورجع ابن حمدان إلى بلده الموصل، واستقر أمر معز الدولة ببغداد، ثم شرع في استعمال السعاة ليبلغ أخاه ركن الدولة أخباره، فغوى الناس في ذلك وعلموا أبناءهم سعاة، حتى أن من الناس من كان يقطع نيفا وثلاثين فرسخا في يوم واحد. وأعجبه المصارعون والملاكمون. وغيرهم من أرباب هذه الصناعات التي لا ينتفع بها إلا كل قليل العقل فاسد المروءة، وتعلموا السباحة ونحوها، وكانت تضرب الطبول بين يديه ويتصارع الرجال والكوسان تدق حول سور المكان الذي هو فيه، وكل ذلك رعونة وقلة عقل وسخافة منه. ثم احتاج إلى صرف أموال في أرزاق الجند فأقطعهم البلاد عوضا عن