كان يتعمم قابسية (1)، فقيل لهم ذلك، وقد كان حافظا بارعا في علم الحديث، رجلا صالحا جليل القدر، ولما توفي في ربع الآخر من هذه السنة عكف الناس على قبره ليالي يقرأون القرآن ويدعون له، وجاء الشعراء من كل أوب يرثون ويترحمون، ولما أجلس للمناظرة أنشد لغيره:
لعمر أبيك ما نسب المعلى * إلى كرم وفي الدنيا كريم ولكن البلاد إذا اقشعرت * وصوح نبتها رعي الهشيم ثم بكى وأبكى، وجعل يقول: أنا الهشيم أنا الهشيم. رحمه الله.
الحافظ ابن الفرضي أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي الفرضي، قاضي بلنسية (2) سمع الكثير وجمع وصنف التاريخ، وفي المؤتلف والمختلف، ومشتبه النسبة وغير ذلك، وكان علامة زمانه، قتل شهيدا على يد البربر فسمعوه وهو جريح طريح يقرأ على نفسه الحديث الذي في الصحيح " ما يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي، الون لون الدم، والريح ريح المسك " (3). وقد كان سأل الله الشهادة عند أستار الكعبة فأعطاه إياها، ومن شعره قوله:
أسير الخطايا عند بابك واقف * على وجل مما به أنت عارف يخاف ذنوبا لم يغب عنك غيها * ويرجوك فيها وهو راج وخائف ومن ذا الذي يرجى سواك ويتقي * ومالك في فصل القضاء مخالف فيا سيدي لا تخزني في صحيفتي * إذا نشرت يوم الحساب الصحائف وكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما * يصد ذوو القربى ويجفوا الموالف لئن ضاق عني عفوك الواسع الذي * أرجى لاسرافي فإني تالف (4) ثم دخلت سنة أربع وأربعمائة في يوم الخميس غرة ربيع الأول منها جلس الخليفة القادر في أبهة الخلافة وأحضر بين يديه