كانت للملاح. وكان الملاح يأخذ ذلك في كل يوم عدة سنين متعددة، ولم يتفق ركوبه مرة أخرى أبدا. وقد أراد بعض خواضه أن يطهر ولده فعمل أشياء هائلة ثم طلب من أم الخليفة أن يعار القرية التي عملت في طهور المقتدر من فضة ليراها الناس في هذا المهم، فتلطفت أم المقتدر عند ولدها حتى أطلقها له بالكلية، وكانت صفة قرية من القرى كلها من فضة، بيوتها وأعاليقها وأبقارها وجمالها، ودوابها وطيورها، وخيولها، وزروعها وثمارها وأشجارها، وأنهارها وما يتبع ذلك مما يكون في القرى، الجميع من فضة مصور، وأمر بنقل سماطه إلى دار هذا الرجل، وأن لا يكلف شئ من المطاعم سوى سمك طري، فاشترى الرجل بثلاثمائة دينار سمكا طريا، وكان جملة ما أنفق الرجل على سماط المقتدر ألفا وخمسمائة دينار، والجميع من عند المقتدر، وكان كثير الصدقة والاحسان إلى أهل الحرمين وأرباب الوظائف، وكان كثير التنفل بالصلاة والصوم والعبادة، ولكنه كان مؤثرا لشهواته، مطيعا لخصاياه كثير العزل والولاية والتلون. وما زال ذلك دأبه حتى كان هلاكه على يدي [غلمان] مؤنس الخادم، فقتل عند باب الشماسية لليلتين (1) بقيتا من شوال من هذه السنة - أعني سنة ثلاثمائة وعشرين - وله من العمر ثمان وثلاثون سنة (2)، وكان مدة خلافته أربعا وعشرين سنة وإحدى عشر شهرا وأربعة عشر يوما (3)، كان أكثر مدة ممن تقدمه من الخلفاء.
خلافة القاهر لما قتل المقتدر بالله عزم مؤنس على تولية أبي العباس بن المقتدر بعد أبيه ليطيب قلب أم المقتدر، فعدل عن ذلك جمهور من حضر من الأمراء فقال أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختي: بعد التعب والنكد نبايع لخليفة صبي له أم وخالات يطيعهن وشاورهن؟ ثم أحضروا محمد بن المعتضد - وهو أخو المقتدر - فبايعه القضاة والامراء والوزراء، ولقبوه بالقاهر بالله، وذلك في سحر يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال منها، واستوزر أبا علي بن مقلة، ثم أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله ثم أبا العباس، ثم الخصيبي. وشرع القاهر في مصادرة أصحاب المقتدر وتتبع .