كأنما الشمس من أعطافه طلعت * حسنا أو البدر من أردانه لمعا في وجهه شافع يمحوا إساءته * من القلوب وجيها أين ما شفعا ولما كان في ربيع الأول من هذه السنة اشتد وجع المعتضد فاجتمع رؤوس الأمراء مثل يونس الخادم وغيره إلى الوزير القاسم بن عبيد الله فأشاروا بأن يجتمع الناس لتجديد البيعة للمكتفي بالله علي بن المعتضد بالله، ففعل ذلك وتأكدت البيعة وكان في ذلك خير كثير. وحين حضرت المعتضد الوفاة أنشد لنفسه:
تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى * وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا ولا تأمنن الدهر إني ائتمنته (1) * فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقا قتلت صناديد الرجال فلم أدع * عدوا ولم أو مهل على خلق (2) خلقا وأخليت دار الملك من كل نازع * فشردتهم غربا ومزقتهم شرقا فلما بغلت النجم عزا ورفعة * وصارت رقاب الخلق لي أجمع رقا رماني الردى سهما فأخمد جمرتي * فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى ولم يغن عني ما جمعت ولم أجد * لدى ملك إلا حباني حبها رفقا (3) وأفسدت دنياي وديني سفاهة * فمن ذا الذي مثلي بمصرعه أشقا فيا ليت شعري بعد موتي هل أصر * إلى رحمة الله أم في ناره ألقى (4) وكانت وفاته ليلة الاثنين لثمان بقين من ربيع الأول (5) من هذه السنة. ولم يبلغ الخمسين.
وكانت خلافته تسع (6) سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشر يوما (7). وخلف من الأولاد الذكور: عليا المكتفي، وجعفر المقتدر، وهارون. ومن البنات إحدى عشر بنتا. ويقال سبع عشرة بنتا. وترك في بيت المال سبعة عشر ألف ألف دينار (8). وكان يمسك عن صرف الأموال في غير وجهها، فلهذا كان بعض الناس يبخله، ومن الناس من يجعله من الخلفاء الراشدين المذكورين في الحديث، حديث جابر بن سمرة فالله أعلم.