صاعقة على باب عبد الملك بأحرقته، فكتب إلى الحجاج بالعراق يسأله عما أهمه من ذلك يقول:
ما أنا وأنت إلا كما قال الله تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم الحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك) [المائدة: 27] فرضي عنه الخليفة بذلك. توفي المنصور في هذه السنة من برد شديد والله أعلم.
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة فيها دخل سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب إلى بلاد الروم فقتل منهم خلقا كثيرا وأسر آخرين، وغنم أموالا جزيلة، ورجع سالما غانما. وفيها اختلف الحجيج بمكة ووقعت حروب بين أصحاب ابن طغج وأصحاب معز الدولة، فغلبهم العراقيون وخطبوا لمعز الدولة، ثم بعد انقضاء الحج اختلفوا أيضا فغلبهم العراقيون أيضا وجرت حروب كثيرة بين الخراسانية والسامانية تقصاها ابن الأثير في كامله. وممن توفي فيها من الأعيان:
علي بن محمد بن أبي الفهم أبو القاسم التنوخي جد القاضي أبي القاسم التنوخي شيخ الخطيب البغدادي، ولد بإنطاكية، وقدم بغداد فتفقه بها على مذهب أبي حنيفة، وكان يعرف الكلام على طريق المعتزلة، ويعرف النجوم ويقول الشعر، ولي القضاء بالأهواز وغيرها، وقد سمع الحديث من البغوي وغيره، وكان فهما ذكيا حفظ وهو ابن خمس عشرة (1) سنة قصيدة دعبل الشاعر في ليلة واحدة، وهي ستمائة بيت، وعرضها على أبيه صبيحتها فقام إليه وضمه وقبل بين عينيه وقال: يا بني لا تخبر بهذا أحدا لئلا تصيبك العين. وذكر ابن خلكان: أنه كان نديما للوزير المهلبي، ووفد على سيف الدولة بن حمدان فأكرمه وأحسن إليه، وأورد له من شعره أشياء حسنة فمن ذلك قوله في الخمر:
وراح من الشمس مخلوقة * بدت لك في قدح من نهار هواء، ولكنه جامد * وماء، ولكنه ليس جار كأن المدير له باليمين *، إذا مال للفئ (2) أو بالنهار تدرع ثوبا من الياسمين * له برد (3) كم من الجلنار .