تميم بن المعز الفاطمي وبه كان يكنى، وقد كان من أكابر أمراء دولة أبيه وأخيه العزيز، وقد اتفقت له كائنة غريبة وهي أنه أرسل إلى بغداد فاشتريت له جارية مغنية بمبلغ جزيل، فلما حضرت عنده أضاف أصحابه ثم أمرها فغنت - وكانت تحب شخصا ببغداد -:
وبدا له من بعد ما انتقل الهوى * برق تألق من هنا لمعانه يبدو لحاشية اللواء ودونه * صعب الذرى ممتنع أركانه فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق * نظرا إليه وشده أشجانه فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه * والماء ما سمحت به أجفانه ثم غنته أبياتا غيرها فاشتد طرب تميم هذا وقال لها: لابد أن تسأليني حاجة، فقالت:
عافيتك. فقال: ومع العافية. فقالت: تردني إلى بغداد حتى أغني بهذه الأبيات، فوجم لذلك ثم لم يجد بدا من الوفاء لها بما سألت، فأرسلها مع بعض أصحابه فأحجبها ثم سار بها على طريق العراق، فلما أمسوا في الليلة التي يدخلون فيها بغداد من صبيحتها ذهبت في الليل فلم يدر أين ذهبت، فلما سمع تميم خبرها شق عليه ذلك وتألم ألما شديد، وندم ندما شديدا حيث لا ينفعه الندم.
أبو سعيد السيرافي النحوي الحسن بن عبد الله بن المرزبان. القاضي، سكن بغداد وولي القضاء بها نيابة، وله شرح كتاب سيبويه، وطبقات النحاة، روى عن أبي بكر بن دريد وغيره، وكان أبوه مجوسيا (1)، وكان أبو سعيد هذا عالما باللغة والنحو والقراءات والفرائض والحساب وغير ذلك من فنون العلم، وكان مع ذلك زاهدا لا يأكل إلا من عمل يده، كان ينسخ في كل يوم عشر ورقات بعشرة دراهم، تكون منها نفقته، وكان من أعلم الناس بنحو البصريين، وكان ينتحل مذهب أهل العراق في الفقه، وقرأ القراءات على ابن مجاهد، واللغة على ابن دريد، والنحو على ابن السراج وابن المرزبان، ونسبه بعضهم إلى الاعتزال وأنكره آخرون. توفي في رجب منها عن أربع وثمانين سنة، ودفن بمقبرة الخيزران.