الدولة بنفسه فنزل المدائن قوه لأخيه. وقد انهزم سيف الدولة مرة من أخي البريدي فرده أخوه وزاده جيشا حتى كسر البريدي، وأسر جماعة من أعيان أصحابه، وقتل منهم خلقا كثيرا. ثم أرسل أخاه سيف الدولة إلى واسط لقتال أبي عبد الله البريدي، فانهزم منه البريدي وأخوه إلى البصرة وتسلم سيف الدولة واسطا، وسيأتي ما كان من خبره في السنة الآتية مع البريدي.
وأما ناصر الدولة فإنه عاد إلى بغداد فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة (1) وبين يديه الأسارى على الجمال، ففرح المسلمون واطمأنوا ونظر في المصالح العامة وأصلح معيار الدينار. وذلك أنه وجده قد غير عما كان عليه، فضرب دنانير سماها الابريزية، فكانت تباع كل دينار بثلاثة عشر درهما، وإنما كان يباع ما قبلها بعشرة. وعزل الخليفة بدرا الخرشني عن الحجابة وولاه سلامة الطولوني، وجعل بدرا على طريق الفرات، فسار إلى الاخشيد فأكرمه واستنابه على دمشق فمات بها. وفيها وصلت الروم إلى قريب حلب فقتلوا خلقا وأسروا نحوا من خمسة عشر ألفا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفيها دخل نائب طرسوس إلى بلاد الروم فقتل وسبى وغنم وسلم وأسر من بطارقتهم المشهورين منهم وغيرهم خلقا كثيرا ولله الحمد. وفيها توفي من الأعيان:
إسحاق بن محمد بن يعقوب النهر جوري أحد مشايخ الصوفية، صحب الجنيد بن محمد وغيره، من أئمة الصوفية، وجاور بمكة حتى مات بها. ومن كلامه الحسن: مفاوز الدنيا تقطع بالاقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب.
الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان أبو عبد الله الضبي القاضي المحاملي الفقيه الشافعي المحدث، سمع الكثير وأدرك خلقا من أصحابه ابن عينية، نحوا من سبعين رجلا. وروى عن جماعة من الأئمة، وعنه الدارقطني، وخلق، وكان يحضر مجلسه نحو من عشرة آلاف. وكان صدوقا دينا فقيها محدثا، ولي قضاء الكوفة ستين سنة، وأضيف إليه قضاء فارس وأعمالها، ثم استعفى من ذلك كله ولزم منزله، واقتصر على إسماع الحديث وسماعه. توفي في ربيع الآخر من هذه السنة عن خمس وتسعين سنة. وقد تناظر هو وبعض الشيعة بحضرة بعض الأكابر فجعل الشيعي يذكر مواقف علي يوم بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين وشجاعته. ثم قال للمحاملي. أنعرفها؟ قال: نعم، ولكن أتعرف أنت أين كان الصديق يوم بدر؟ كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش بمنزلة الرئيس الذي يحامي عنه، وعلي رضي الله عنه في المبارزة، ولو فرض أنه انهزم أو قتل لم يخزل الجيش بسببه. فأفحم الشيعي. وقال المحاملي وقد قدمه .