فلفت علي ذنبها ثم رفعتني حتى أخرجتني إلى وجه الأرض، وانسابت فلم أدر أين ذهبت، ولا من أين جاءت. وفي مشايخ الصوفية آخر يقال له أبو جعفر المزين الكبير، جاور بمكة ومات بها أيضا، وكان من العباد. روى الخطيب عن علي بن أبي علي إبراهيم بن محمد الطبري عن جعفر الخلدي قال: ودعت في بعض حجاتي المزين الكبير فقلت له: زودني. فقال لي: إذا فقدت شيئا فقل:
يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، أجمع بيني وبين كذا، فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشئ. قال: وجئت إلى الكتاني فودعته وسألته أن يرودني، فأعطاني خاتما على فصه نقش فقال: إذا اغتممت فانظر إلى فص هذا الخاتم يزول غمك. قال: فكنت لا أدعو بذلك الدعاء إلا استجيب لي، ولا أنظر في ذلك الفص إلا زال غمي، فبينا أنا ذات يوم في سمرية إذ هبت ريح شديدة، فأخرجت الخاتم لأنظر إليه فلم أدر كيف ذهب، فجعلت أدعو بذلك الدعاء يومي أجمع أن يجمع علي الخاتم، فلما رجعت إلى المنزل فتشت المتاع الذي في المنزل فإذا الخاتم في بعض ثيابي التي كانت بالمنزل.
صاحب كتاب العقد الفريد - أحمد بن عبد ربه ابن حبيب بن جرير (1) بن سالم أبو عمر القرطبي، مولى هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي. كان من الفضلاء المكثرين، والعلماء بأخبار الأولين والمتأخرين، وكتابه العقد يدل على فضائل جمة، وعلوم كثيرة مهمة، ويدل كثير من كلامه على تشيع فيه، وميل إلى الحط على بني أمية. وهذا عجيب منه، لأنه أحد مواليهم وكان الأولى به أن يكون ممن يواليهم لا ممن يعاديهم. قال ابن خلكان: وله ديوان شعر حسن، ثم أورد منه أشعارا في التغزل في المردان والنسوان أيضا. ولد في رمضان سنة ست وأربعين ومائتين وتوفي بقرطبة يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى من هذه السنة.
عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب ابن حماد بن زيد بن درهم، أبو الحسين الأزدي الفقيه المالكي القاضي، ناب عن أبيه وعمره عشرون سنة، وكان حافظا للقرآن والحديث والفقه على مذهب مالك، والفرائض. والحساب واللغة والنحو والشعر. وصنف مسندا فرزق قوة الفهم وجودة القريحة، وشرف الأخلاق، وله الشعر الرائق الحسن، وكان مشكور السيرة في القضاء، عدلا ثقة إماما. قال الخطيب: أخبرنا أبو الطيب الطبري سمعت المعافى بن زكريا الجريري يقول: كنا نجلس في حضرة القاضي أبي الحسين .