محمد، عن ابن سريج القاضي إسماعيل بن إسحاق قال: دخلت يوما على المعتضد فدفع إلى كتابا فقرأته فإذا فيه الرخص من زلل العلماء قد جمعها بعض الناس - فقلت: يا أمير المؤمنين إنما جمع هذا زنديق. فقال: كيف؟ فقلت: إن من أباح المتعة لم يبح الغناء، ومن أباح الغناء لم يبح إضافته إلى آلات اللهو، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه. فأمر بتحريق ذلك الكتاب. وروى الخطيب بسنده عن صافي الجرمي الخادم قال: انتهى المعتضد وأنا بين يديه إلى منزل شعث وابنه المقتدر جعفر جالس فيه وحوله نحو من عشرة من الوصائف، والصبيان من أصحابه في سنه عنده، وبين يديه طبق من فضة فيه عنقود عنب، وكان العنب إذ ذاك عزيزا، وهو يأكل عنبة واحدة ثم يفرق على أصحابه من الصبيان كل واحد عنبة، فتركه المعتضد وجلس ناحية في بيت مهموما. فقلت له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فقال. ويحك والله لولا النار والعار لأقتلن هذا الغلام. فإن في قتله صلاحا للأمة. فقلت:
أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من ذلك. فقال: ويحك يا صافي هذا الغلام في غاية السخاء لما أراه يفعل مع الصبيان، فإن طباع الصبيان تأبى الكرم، وهذا في غاية الكرم، وإن الناس من بعدي لا يولون عليهم إلا من هو من ولدي، فسيلي عليهم المكتفي ثم لا تطول أيامه لعلته التي به - وهي داء الخنازير - ثم يموت فيلي الناس جعفر هذا الغلام، فيذهب جميع أموال بيت المال إلى الحظايا لشغفه بهن، وقرب عهده من تشبه بهن، فتضيع أمور المسلمين وتعطل الثغور وتكثر الفتن والهرج والخوارج والشرور. قال صافي: والله لقد شاهدت ما قاله سواء بسواء.
وروى ابن الجوزي عن بعض خدم المعتضد قال: كان المعتضد يوما نائما وقت القائلة ونحن حول سريره فاستيقظ مذعورا ثم صرخ بنا فجئنا إليه فقال: ويحكم اذهبوا إلى دجلة فأول سفينة تجدوها فارغة منحدرة فأتوني بملاحها واحتفظوا بالسفينة. فذهبنا سراعا فوجدنا ملاحا في سميرية فارغة منحدرا فأتينا به الخليفة لما رأى الملاح الخليفة كاد أن يتلف، فصاح به الخليفة صيحة عظيمة فكادت روح الملاح تخرج فقال له الخليفة: ويحك يا ملعون، أصدقني عن قصتك مع المرأة التي قتلتها اليوم وإلا ضربت عنقك قال فتلعثم ثم قال: نعم يا أمير المؤمنين كنت اليوم سحرا في مشرعتي الفلانية، فنزلت امرأة لم أر مثلها وعليها ثياب فاخرة وحلي كثير وجوهر، فطمعت فيها واحتلت عليها فشددت فاها وغرقتها وأخذت جميع ما كان عليها من الحلي والقماش، وخشيت أن أرجع به إلى منزلي فيشتهر خبرها، فأردت الذهب به إلى واسط فلقيني هؤلاء الخدم فأخذوني. فقال: وأين حليها؟
فقال: في صدر السفينة حتى البواري. فأمر الخليفة عند ذلك بإحضار الحلي فجئ به فإذا هو حلي كثير يساوي أموالا كثيرة، فأمر الخليفة بتغريق الملاح في المكان الذي غرق فيه المرأة، وأمر أن ينادى على أهل المرأة ليحضروا حتى يتسلموا مال المرأة: فنادى بذلك ثلاثة أيام في أسواق بغداد وأزقتها فحضروا بعد ثلاثة أيام فدفع إليهم ما كان من الحلي وغيره مما كان للمرأة، ولم يذهب منه شئ. فقال له خدمه: يا أمير المؤمنين من أين علمت هذا؟ قال: رأيت في نومي تلك الساعة شيخا أبيض الرأس واللحية والثياب وهو ينادي: يا أحمد يا أحمد، خذ أول ملاح ينحدر الساعة فاقبض عليه وقرره عن