من جهة سيف الدولة، وكان شاعرا مطيقا، له ديوان شعر حسن، وكان مدة مقامه بعين زربة إحدى وعشرين يوما، ثم سار إلى قيسرية فلقيه أربعة آلاف من أهل طرسوس مع نائبها ابن الزيات، فقتل أكثرهم وأدركه صوم النصارى فاشتغل به حتى فرغ منه، ثم هجم على حلب بغتة، وكان من أمره ما ذكرناه. وفيها كتبت العامة من الروافض على أبوب المساجد لعنة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكتبوا أيضا: ولعن الله من غصب فاطمة حقها، وكانوا يلعنون أبا بكر ومن أخرج العباس من الشورى، يعنون عمر، ومن نفى أبا ذر - يعنون عثمان - رضى الله عن الصحابة، وعلى من لعنهم لعنة الله، ولعنوا من منع من دفن الحسن عند جده يعنون مروان بن الحكم، ولما بلغ ذلك جميعه معز الدولة لم ينكره ولم يغيره، ثم بلغه أن أهل السنة محوا ذلك وكتبوا عوضه لعن الله الظالمين لآل محمد من الأولين والآخرين، والتصريح باسم معاوية في اللعن، فأمر بكتب ذلك، قبحه الله وقبح شيعته من الروافض، لا جرم أن هؤلاء لا ينصرون، وكذلك سيف الدولة بن حمدان بحلب فيه تشيع وميل إلى الروافض، لاجرم أن الله لا ينصر أمثال هؤلاء، بل يديل عليهم أعداءهم لمتابعتهم أهواءهم، وتقليدهم سادتهم وكبراءهم وآباءهم وتركهم أنبياءهم وعلماءهم، ولهذا لما ملك الفاطميون بلاد مصر والشام، وكان فيهم الرفض وغيره، استحوذ الفرنج على سواحل الشام وبلاد الشام كلها، حتى بيت المقدس، ولم يبق مع المسلمين سوى حلب وحمص وحماه ودمشق وبعض أعمالها، وجميع السواحل وغيرها مع الفرنج، والنواقيس النصرانية والطقوس الإنجيلية تضرب في شواهق الحصون والقلاع، وتكفر في أماكن الايمان من المساجد وغيرها من شريف البقاع، والناس معهم في حصر عظيم، وضيق من الدين، وأهل هذه المدن التي في يد المسلمين في خوف شديد في ليلهم ونهارهم من الفرنج، فإنا لله وإنا إليه راجعون وكل ذلك من بعض عقوبات المعاصي والذنوب، وإظهار سب خير الخلق بعد الأنبياء.
وفيها وقعت فتنة عظيمة بين أهل البصرة بسبب السب أيضا، قتل فيها خلق كثير وجم غفير.
وفيها أعاد سيف الدولة بن حمدان بناء عين زربة، وبعث مولاه نجا فدخل بلاد الروم، فقتل منها خلقا كثيرا وسبى جما غفيرا، وغنم وسلم. وبعث حاجبه مع جيش طرسوس فدخلوا بلاد الروم فغنموا وسبوا ورجعوا سالمين. وفيها فتح المعز الفاطمي حصن طبرهين من بلاد المغرب - وكان من أحصن بلاد الفرنج - فتحه قسرا بعد محاصرة سبعة أشهر ونصف، وقصد الفرنج جزيرة إقريطش فاستنجد أهلها المعز، فأرسل إليهم جيشا فانتصروا على الفرنج ولله الحمد والمنة.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الحسن بن محمد بن هارون المهلبي الوزير لمعز الدولة بن بويه، مكث وزيرا له ثلاث عشرة سنة (1)، وكان فيه حلم وكرم .