القاضي أحمد بن كامل: لم يكن لأصحاب الشافعي بالعراق أرأس منه، ولا أورع: كان متقللا في المطعم على حالة عظيمة فقرا وورعا وصبرا، وكان ينفق في كل شهر أربعة دراهم، وكان لا يسأل أحدا شيئا، وكان قد اختلط في آخر عمره. توفي في المحرم منها.
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين في ربيع الأول منها اجتمع جماعة من القواد والجند والامراء على خلع المقتدر وتولية عبد الله بن المعتز الخلافة، فأجابهم على أنه لا يسفك بسببه دم، وكان المقتدر قد خرج يلعب بالصولجان فقصد إليه الحسين (1) بن حمدان يريد أن يفتك به، فلما سمع المقتدر الصيحة بادر إلى دار الخلافة فأغلقها دون الجيش، واجتمع الأمراء والأعيان والقضاة في دار المخرمي فبايعوا عبد الله بن المعتز وخوطب بالخلافة، ولقب بالمرتضى (2) بالله. وقال الصولي: إنما لقبوه المنتصف بالله، واستوزر أبا عبيد الله محمد بن داود وبعث إلى المقتدر يأمره بالتحول من دار الخلافة إلى دار ابن طاهر لينتقل إليها، فأجابه بالسمع والطاعة، فركب الحسين (1) بن حمدان من الغد إلى دار الخلافة ليتسلمها فقاتله الخدم ومن فيها، ولم يسلموها إليه، وهزموه فلم يقدر على تخليص أهله وماله إلا بالجهد. ثم ارتحل من فوره إلى الموصل وتفرق نظام ابن المعتز وجماعته، فأراد ابن المعتز أن يتحول إلى سامرا لينزلها فلم يتبعه أحد من الأمراء، فدخل دار ابن الجصاص فاستجار به فأجاره، ووقع النهب في البلد واختبط الناس وبعث المقتدر إلى أصحاب ابن المعتز فقبض عليهم وقتل أكثرهم وأعاد ابن الفرات إلى الوزارة فجدد البيعة إلى المقتدر وأرسل إلى دار ابن الجصاص فتسلمها وأحضر ابن المعتز وابن الجصاص فصادر ابن الجصاص بمال جزيل جدا، نحو ستة عشر ألف ألف درهم، ثم أطلقه واعتقل ابن المعتز، فلما دخل في ربيع الآخر ليلتان ظهر للناس موته (3) وأخرجت جثته فسلمت إلى أهله فدفن، وصفح المقتدر عن بقية من سعى في هذه الفتنة حتى لا تفسد نيات الناس.
قال ابن الجوزي: ولا يعرف خليفة خلع ثم أعيد إلا الأمين والمقتدر. وفي يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول سقط ببغداد ثلج عظيم حتى اجتمع على الأسطحة منه نحو من أربعة أصابع وهذا غريب في بغداد جدا، ولم تخرج السنة حتى خرج الناس يستسقون لأجل تأخر المطر عن إبانه.
وفي شعبان منها خلع على مونس (4) الخادم وأمر بالمسير إلى طرسوس لأجل غزو الروم. وفيها أمر .