وبعث إليه وشمكير يتهدده ويتوعده، ويقول لئن قدرت عليك لأفعلن بك ولأفعلن، فبعث إليه ركن الدولة يقول: لكني إن قدرت عليك لأحسنن إليك ولأصفحن عنك. فكانت الغلبة لهذا، فدفع الله عنه شره، وذلك أن وشمكير ركب فرسا صعبا يتصيد عليها فحمل عليه خنزير فنفرت منه الفرس فألقته على الأرض فخرج الدم من أذنيه فمات من ساعته وتفرقت العساكر. وبعث ابن وشمكير (1) يطلب الأمان من ركن الدولة فأرسل إليه بالمال والرجال، ووفى بما قال من الاحسان، وصرف الله عنه كيد السامانية، وذلك بصدق النية وحسن الطوية والله أعلم.
وممن توفي فيها من الأعيان أبو الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني. واسمه علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، صاحب كتاب الأغاني وكتاب أيام العرب، ذكر فيه ألفا وسبعمائة يوم من أيامهم، وكان شاعرا أديبا كاتبا، عالما بأخبار الناس وأيامهم، وكان فيه تشيع. قال ابن الجوزي: ومثله لا يوثق به، فإنه يصرح في كتبه بما يوجب العشق ويهون شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب الأغاني رأى فيه كل قبيح ومنكر، وقد روى الحديث عن محمد بن عبد الله بن بطين وخلق، وروى عنه الدارقطني وغيره، توفي في ذي الحجة من هذه السنة، وكان مولده في سنة أربع وثمانين ومائتين، التي توفي فيها البحتري الشاعر، وقد ذكر له ابن خلكان مصنفات عديدة منها الأغاني والمزارات وأيام العرب. وفيها توفي:
سيف الدولة أحد الأمراء الشجعان، والملوك الكثيري الاحسان، على ما كان فيه من تشيع، وقد ملك دمشق في بعض السنين، واتفق له أشياء غريبة، منها أن خطيبه كان مصنف الخطب النباتية أحد الفصحاء البلغاء. ومنها أن شاعره كان المتنبي، ومنها أن مطربه كان أبو نصر الفارابي. وكان سيف الدولة كريما جوادا معطيا للجزيل. ومن شعره في أخيه ناصر الدولة صاحب الموصل:
رضيت (2) لك العليا، وقد كنت أهلها * وقلت لهم: بيني وبين أخي فرق ومان كان لي عنها نكول، وإنما * تجاوزت عن حقي فتم لك السبق (3) .