أرزاقهم، فأدى ذلك إلى خراب البلاد وترك عمارتها إلا الأراضي التي بأيدي أصحاب الجاهات.
وفي هذه السنة وقع غلاء شديد ببغداد حتى أكلوا الميتة والسنانير والكلاب، وكان من الناس من يسرق الأولاد فيشويهم ويأكلهم. وكثر الوباء في الناس حتى كان لا يدفن أحد أحدا، بل يتركون على الطرقات فيأكل كثيرا منهم الكلاب، وبيعت الدور والعقار بالخبز، وانتجع الناس إلى البصرة فكان منهم من مات في الطريق ومنهم من وصل إليها بعد مدة مديدة.
وفيها كانت وفاة القائم بأمر الله أبي القاسم محمد بن عبد الله المهدي، وولى الامر من بعده ولده المنصور إسماعيل، وكان حازم الرأي شديدا شجاعا كما ذكرنا ذلك في السنة الماضية، وكانت وفاته في شوال من هذه السنة على الصحيح.
وفيها توفي الاخشيد محمد بن ظغج صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية، كانت وفاته بدمشق وله من العمر بضع وستون سنة، وأقيم ولده أبو القاسم أبو جور (1) - وكان صغيرا - وأقيم كافور الاخشيد أتابكه، وكان يدبر الممالك بالبلاد كلها، واستحوذ على الأمور كلها وسار إلى مصر فقصد سيف الدولة بن حمدان دمشق فأخذها من أصحاب الاخشيد، ففرح بها فرحا شديدا، واجتمع بمحمد بن محمد بن نصر الفارابي التركي الفيلسوف بها. وركب سيف الدولة يوما مع الشريف العقيلي في بعض نواحي دمشق، فنظر سيف الدولة إلى الغوطة فأعجبته وقال: ينبغي أن يكون هذا كله لديوان السلطان - كأنه يعرض بأخذها من ملاكها - فأوغر ذلك صدر العقيلي وأوعاه إلى أهل دمشق، فكتبوا إلى كافور الأخشيدي يستنجدونه، فأقبل إليهم في جيوش كثيرة كثيفة، فأجلى عنهم سيف الدولة وطرده عن حلب أيضا واستناب عليها ثم كر راجعا إلى دمشق فاستناب عليها بدرا الأخشيدي - ويعرف ببدير - فلما صار كافور إلى الديار المصرية رجع سيف الدولة إلى حلب فأخذها كما كانت أولا له، ولم يبق له في دمشق شئ يطمع فيه. وكافور هذا الذي هجاه المتنبي ومدحه أيضا.
وممن توفي فيها من الأعيان:
عمر بن الحسين صاحب المختصر في الفقه على مذهب الإمام أحمد، وقد شرحه القاضي أبو يعلى بن الفراء والشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي، وقد كان الخرقي هذا من سادات الفقهاء والعباد، كثير الفضائل والعبادة، خرج من بغداد مهاجرا لما كثر بها الشر والسب للصحابة، وأودع كتبه في بغداد فاحترقت الدار التي كانت فيها الكتب، وعدمت مصنفاته، وقصد دمشق فأقام بها حتى مات في هذه .