مات محمد بن عبد الله بن طاهر نائب العراق ببغداد. وكانت علته قروحا في رأسه وحلقه فذبحته، ولما أتي به ليصلى عليه اختلف أخوه عبيد الله وابنه طاهر وتنازعا الصلاة عليه حتى جذبت السيوف وترامى الناس بالحجارة، وصاحت الغوغاء يا طاهر يا منصور: فمال عبيد الله إلى الشرقية ومعه القواد وأكابر الناس، فدخل داره وصلى عليه ابنه وكان أبوه قد أوصى إليه. وحين بلغ المعتز ما وقع بعث بالخلع والولاية إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر فأطلق عبيد الله للذي قدم بالخلع خمسين ألف درهم. وفيها نفى المعتز أخاه أبا أحمد من سر من رأى إلى واسط، ثم إلى البصرة. ثم رد إلى بغداد أيضا. وفي يوم الاثنين منها سلخ ذي القعدة التقي موسى بن بغا الكبير والحسين بن أحمد الكوكبي الطالبي الذي خرج في سنة إحدى وخمسين عند قزوين فاقتتلا قتالا شديد، ثم هزم الكوكبي وأخذ موسى قزوين وهرب الكوكبي إلى الديلم. وذكر أبن جرير عن بعض من حضر هذه الوقعة أن الكوكبي حين التقى أمر أصحابه أن يتترسوا بالحجف - وكانت السهم لا تعمل فيهم - فأمر موسى بن بغا أصحابه عند ذلك أين يطرحوا ما معهم من النفط ثم حاولوهم وأروهم أنهم قد انهزموا منهم، فتبعهم أصحاب الكوكبي، فلما توسطوا الأرض التي فيها النفط أمر عند ذلك بإلقاء النار فيه فجعل النفط يحرق أصحاب الكوكبي ففروا سراعا هاربين، وكر عليهم موسى وأصحابه فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وهرب الكوكبي إلى الديلم، وتسلم موسى قزوين. وفيها حج بالناس عبد الله بن محمد بن سليمان الزينبي.
وفيها توفي من الأعيان أبو الأشعث (1). وأحمد بن سعيد الدارمي (2). و سري السقطي أحد كبار مشايخ الصوفية. تلميذ معروف الكرخي. حدث عن هشيم وأبي بكر بن عياش وعلي بن عراب ويحيى بن يمان ويزيد بن هارون وغيرهم. وعنه ابن أخته الجنيد بن محمد. وأبو الحسن النوري ومحمد بن الفضل بن جابر السقطي وجماعة. وكانت له دكان يتجر فيها فمرت به جارية قد انكسر إناء كان معها تشتري فيه شيئا لسادتها، فجعلت تبكي فأعطاها سري شيئا تشتري بدله، فنظر معروف إليه وما صنع بتلك الجارية فقال له: بغض الله إليك الدنيا فوجد الزهد من يومه.
وقال سري: مررت في يوم عيد فإذا معروف ومعه صغير شعث الحال فقلت: ما هذا؟ فقال: هذا كان واقفا عند صبيان يلعبون بالجوز وهو مفكر، فقلت له: ما لك لا تلعب كما يلعبون؟ فقال: أنا يتيم ولا شئ معي أشتري به جوزا ألعب به. فأخذته لأجمع له نوى يشتري به جوزا يفرح به. فقلت ألا أكسوه وأعطيه شيئا يشتري به جوزا؟ فقال أو تفعل؟ فقلت: نعم فقال خذه أغنى الله قلبك. قال سري:
.