عبد الملك بن محمد بن عدي الفقيه الاستراباذي، أحد أئمة المسلمين والحفاظ المحدثين وقد ذكرناه أيضا في طبقات الشافعية.
القاضي أبو عمر المالكي: محمد بن يوسف ابن (1) إسماعيل بن حماد بن زيد، أبو عمر القاضي ببغداد ومعاملاتها في سائر البلاد، كان من أئمة الاسلام علما ومعرفة، وفصاحة وبلاغة، وعقلا ورياسة، بحيث كان يضرب بعقله المثل.
وقد روى الكثير عن المشايخ، وحدث عنه الدارقطني وغيره من الحفاظ، وحمل الناس عنه علما كثيرا من الفقه والحديث، وقد جمع قضاء القضاة في سنة سبع عشرة وثلاثمائة وله مصنفات كثيرة. وجمع مسندا حافلا، وكان إذا جلس للحديث جلس أبو القاسم البغوي عن يمينه وهو قريب من سن أبيه، وجلس عن يساره أيضا ابن صاعد، وبين يديه أبو بكر النيسابوري، وسائر الحفاظ حول سريره من كل جانب. قالوا: ولم ينتقد عليه حكم من أحكامه أخطأ فيه قط. قلت: وكان من أكبر صواب أحكامه وأصوبها قتله الحسين بن منصور الحلاج في سنة تسع وثلاثمائة كما تقدم. وكان القاضي أبو عمر هذا جميل الأخلاق، حسن المعاشرة، اجتمع عنده يوما أصحابه فجئ بثوب فاخر ليشتريه بنحو من خمسين دينارا، فاستحسنه الحاضرون، فدعا بالقلانسي، وأمره أن يقطع ذلك الثوب قلانس بعدد الحاضرين. وله مناقب ومحاسن جمة رحمه الله تعالى. توفي في رمضان منها عن ثمان وسبعين سنة، وقد رآه بعضهم في المنام فقال له: ما فعل بك ربك؟ فقال: غفر لي بدعوة الرجل الصالح إبراهيم الحربي.
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في صفر منها أحضر القاهر رجلا كان يقطع الطريق فضرب بين يديه ألف سوط، ثم ضربت عنقه وقطع أيدي أصحابه وأرجلهم. وفيها أمر القاهر بإبطال الخمر والمغاني والقيان، وأمر ببيع الجواري المغنيات بسوق النخس، على أنهن سواذج. قال ابن الأثير: وإنما فعل ذلك لأنه كان محبا للغناء فأراد أن يشتريهن برخص الأثمان، نعوذ بالله من هذه الأخلاق. وفيها أشاعت العامة بينهم بأن الحاجب علي بن بليق يريد أن يلعن معاوية على المنابر. فلما بلغ الحاجب ذلك بعث إلى رئيس الحنابلة البربهاري أبي محمد الواعظ ليقابله على ذلك، فهرب واختفى، فأمر بجماعة من أصحابه فنفوا إلى البصرة. وفيها عظم الخليفة وزيره علي بن مقلة وخاطبه بالاحترام والاكرام. ثم إن الوزير ومؤنسا الخادم وعلي بن بليق وجماعة من الأمراء اشتوروا فيما بينهم على خلع القاهر وتولية أبي أحمد المكتفي، وبايعوه سرا فيما بينهم، وضيقوا على القاهر بالله في رزقه، وعلى من يجتمع به. وأرادوا القبض عليه سريعا. فبلغ ذلك القاهر - بلغه طريف اليشكري (2) - فسعى في القبض عليهم .