الله أبو أحمد الموفق رحمه الله، لكن الله أبقى للمسلمين بعده ولده أبا العباس أحمد الملقب بالمعتضد.
وكان شهما شجاعا.
ترجمة أبي أحمد الموفق هو الأمير الناصر لدين الله، ويقال له الموفق، ويقال له طلحة بن المتوكل على الله جعفر بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد، كان مولده في يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة تسع وعشرين ومائتين، وكان أخوه المعتمد حين صارت الخلافة إليه قد عهد إليه بالولاية بعد أخيه جعفر، ولقبه الموفق بالله، ثم لما قتل صاحب الزنج وكسر جيشه تلقب بناصر دين الله، وصار إليه العقد والحل والولاية والعزل، وإليه يجبى الخراج، وكان يخطب له على المنابر، فيقال: اللهم أصلح الأمير الناصر لدين الله أبا أحمد الموفق بالله ولي عهد المسلمين أخا أمير المؤمنين. ثم اتفق موته قبل أخيه المعتمد بستة أشهر، وكان غزير العقل حسن التدبير يجلس للمظالم وعنده القضاة فينصف المظلوم من الظالم وكان عالما بالأدب والنسب والفقه وسياسة الملك وغير ذلك، وله محاسن ومآثر كثيرة جدا.
وكان سبب موته أنه أصابه مرض النقرس في السفر فقدم إلى بغداد وهو عليل منه فاستقر في داره في أوائل صفر وقد تزايد به المرض وتورمت رجله حتى عظمت جدا، وكان يوضع له الأشياء المبردة كالثلج ونحوه، وكان يحمل على سريره، يحمله أربعون رجلا بالنوبة، كل نوبة عشرون.
فقال ذات يوم: ما أظنكم إلا قد مللتم مني فيا ليتني كواحد منكم آكل كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، وأرقد كما ترقدون في عافية. وقال أيضا: في ديواني مائة ألف مرتزق ليس فيهم أحد أسوأ حالا مني. ثم كانت وفاته في القصر الحسيني ليلة الخميس لثمان بقين (1) من صفر. قال ابن الجوزي:
وله سبع وأربعون سنة تنقص شهرا وأياما (2).
ولما توفي اجتمع الأمراء على أخذ البيعة من بعده إلى ولده أبي العباس أحمد، فبايع له المعتمد بولاية العهد من بعد أبيه (3)، وخطب له على المنابر. وجعل إليه ما كان لأبيه من الولاية والعزل والقطع والوصل، ولقب المعتضد بالله.
وفيها توفي إدريس بن سليم الفقعسي الموصلي. قال ابن الأثير: كان كثير الحديث والصلاح وإسحاق بن كنداج نائب الجزيرة، كان من ذوي الرأي، وقام بما كان إليه ولده محمد. ويازمان نائب طرسوس جاءه حجر منجنيق من بلدة كان محاصرها ببلاد الروم فمات منه في رجب (4) من هذه السنة .