المسجد الجامع، فسار من عندهم إلى مكة فمات بها في هذه السنة، وقبره بها هكذا حكاه الحاكم عن محمد بن إسحاق الأصبهاني عن مشايخه. وقال الدارقطني: كان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح من السقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج إلى الرملة، فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه فضربوه في الجامع، فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه وهو عليل، فتوفي بمكة مقتولا شهيدا، مع ما رزق من الفضائل رزق الشهادة في آخر عمره، مات بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة. قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة في تقييده ومن خطه نقلت ومن خط أبي عامر محمد بن سعدون العبدري الحافظ: مات أبو عبد الرحمن النسائي بالرملة مدينة فلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة، ودفن ببيت المقدس. وحكى ابن خلكان: أنه توفي في شعبان من هذه السنة، وأنه إنما صنف الخصائص في فضل علي وأهل البيت، لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها في سنة ثنتين وثلاثمائة عندهم نفرة من علي، وسألوه عن معاوية فقال ما قال، فدققوه في خصيتيه فمات. وهكذا ذكر ابن يونس وأبو جعفر الطحاوي: إنه توفي بفلسطين في صفر من هذه السنة، وكان مولده في (1) سنة خمس عشرة أو أربع عشرة ومائتين تقريبا عن قوله، فكان عمره ثمانيا وثمانين سنة.
الحسن بن سفيان ابن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء، أبو العباس الشيباني النسوي، محدث خراسان، وقد كان يضرب إليه آباط الإبل في معرفة الحديث والفقه. رحل إلى الآفاق وتفقه على أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه، وأخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل، وكانت إليه الرحلة بخراسان. ومن غريب ما اتفق له: أنه كان هو وجماعة من أصحابه بمصر في رحلتهم إلى الحديث، فضاق عليهم الحال حتى مكثوا ثلاثة أيام لا يأكلون فيها شيئا، ولا يجدون ما يبيعونه للقوت، واضطرهم الحال إلى تجشم السؤال، وأنفت أنفسهم من ذلك وعزت عليهم وامتنعت كل الامتناع، والحاجة تضطرهم إلى تعاطي ذلك، فاقترعوا فيما بينهم أيهم يقوم بأعباء هذا الامر، فوقعت القرعة على الحسن بن سفيان هذا، فقام عنهم فاختلى في زاوية المسجد الذي هم فيه فصلى ركعتين أطال فيهما واستغاث بالله عز وجل، وسأله بأسمائه العظام، فما انصرف من الصلاة حتى دخل عليهم المسجد شاب حسن الهيئة مليح الوجه فقال: أين الحسن بن سفيان؟ فقلت: أنا. فقال: الأمير طولون يقرأ عليكم السلام ويعتذر إليكم في تقصيره عنكم، وهذه مائة دينار لكل واحد منكم. فقلنا له: ما الحامل له على ذلك؟ فقال: إنه أحب أن يختلي اليوم بنفسه، فبينما هو الآن نائم إذ جاءه فارس في الهواء بيده رمح فدخل عليه منزله ووضع عقب الرمح في خاصرته فوكزه وقال: قم فأدرك .