ثم دخلت سنة خمس وثمانين ومائتين فيها وثب صالح بن مدرك الطائي على الحجاج بالأجفر فأخذ أموالهم ونساءهم، يقال: إنه أخذ منهم ما قيمته ألف (1) ألف دينار. وفي ربيع الأول منها يوم الأحد لعشر بقين منه ارتفعت بنواحي الكوفة ظلمة شديدة جدا ثم سقطت أمطار برعود وبروق لم ير مثلها، وسقط في بعض القرى مع المطر حجارة بيض، وسود، وسقط برد كبار وزن البردة مائة وخمسون درهما، واقتلعت الرياح شيئا كثيرا من النخيل والأشجار مما حول دجلة، وزادت دجلة زيادة كثيرة حتى خيف على بغداد من الغرق. وفيها غزا راغب الخادم مولى الموفق بلاد الروم ففتح حصونا كثيرة وأسر ذراري كثيرة جدا، وقتل من أسارى الرجال الذين معه ثلاثة آلاف أسير، ثم عاد سالما مؤيدا منصورا. وحج بالناس فيها محمد بن عبد الله بن داود الهاشمي.
وفيها توفي أحمد بن عيسى بن الشيخ صاحب آمد فقام بأمرها من بعده ولده محمد، فقصده المعتضد ومعه ابنه أبو محمد المكتفي بالله فحاصره بها فخرج إليه سامعا مطيعا فتسلمها منه وخلع عليه وأكرم أهلها، واستخلف عليها ولده المكتفي، ثم سار إلى قنسرين والعواصم فتسلمها عن كتاب هارون بن خمارويه، وإذنه له في ذلك ومصالحته له فيها. وفيها غزا ابن الاخشيد بأهل طرسوس بلاد الروم ففتح الله عليه يديه حصونا كثيرة ولله الحمد وفيها توفي من الأعيان:
إبراهيم بن إسحاق ابن بشير بن عبد الله بن رستم أبو إسحاق الحربي (2)، أحد الأئمة في الفقه والحديث وغير ذلك، وكان زاهدا عابدا تخرج بأحمد بن حنبل، وروى عنه كثيرا. قال الدارقطني: إبراهيم الحربي إمام مصنف عالم بكل شئ بارع في كل علم، صدوق، كان يقاس بأحمد بن حنبل في زهده وورعه وعلمه، ومن كلامه: أجمع عقلاء كل أمه أن من لم يجر مع القدر لم يتهن بعيشه. وكان يقول: الرجل كل الرجل الذي يدخل غمه عل نفسه ولا يدخله على عياله، وقد كانت بي شقيقة منذ أربعين (3) سنة ما أخبرت بها أحد قط، ولي عشرون (4) سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحد قط، وذكر أنه مكث .