هو المكتفي بالله يكفيه كلما * عناه بركن منه ليس يرام فأمر له بجائزة سنية وقد كان يقول الشعر، فمن ذلك قوله:
من لي بأن أعلم ما ألقى * فتعرف مني الصبابة والعشقا (1) ما زال لي عبدا وحبي له * صيرني عبدا له رقا العتق (2) من شأني ولكني * من حبه لا أملك العتقا وكان نقش خاتمه: علي المتوكل على ربه. (3) وكان له من الولد محمد وجعفر وعبد الصمد وموسى وعبد الله وهارون والفضل وعيسى والعباس وعبد الملك. وفي أيامه فتحت أنطاكية وكان فيها من أسارى المسلمين بشر كثير وجم غفير، ولما حضرته الوفاة سأل عن أخيه أبي الفضل جعفر بن المعتضد وقع صح عنده أنه بالغ، فأحضره في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة منها وأحضر القضاة وأشهدهم على نفسه بأنه قد فوض أمر الخلافة إليه من بعده، ولقبه بالمقتدر بالله. وتوفي بعد ثلاثة أيام وقيل في آخر يوم السبت بعد المغرب، وقيل بين الظهر والعصر، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، ودفن في دار محمد بن عبد الله بن طاهر، عن ثنتين وقيل ثلاث وثلاثين سنة (4)، وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما (5). وأوصى بصدقة من خالص ماله ستمائة ألف دينار، وكان قد جمعها وهو صغير، وكان مرضه بداء الخنازير رحمه الله.
خلافة المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد جددت له البيعة بعد موت أخيه وقت السحر لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة - أعني سنة خمس وتسعين ومائتين - وعمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة وشهر واحد وإحدى وعشرون يوما، ولم يل الخلافة أحد قبله أصغر منه، ولما جلس في منصب الخلافة صلى أربع ركعات ثم سلم ورفع صوته بالدعاء والاستخارة، ثم بايعه الناس بيعة العامة، وكتب اسمه على الرقوم وغيرها:
المقتدر بالله، وكان في بيت مال الخاصة خمسة عشر ألف ألف دينار، وفي بيت مال العامة ستمائة ألف دينار ونيف، وكان الجواهر الثمينة في الحواصل من لدن بني أمية وأيام بني العباس، قد تناهى