كتاب الترمذي عندي أنور من كتاب البخاري ومسلم. قلت: ولم؟ قال لأنه لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من هو من أهل المعرفة التامة بهذا الفن، وكتاب الترمذي قد شرح أحاديثه وبينها، فيصل إليها كل أحد من الناس من الفقهاء والمحدثين وغيرهم. قلت: والذي يظهر من حال الترمذي أنه إنما أطرأ عليه العمى بعد أن رحل وسمع وكتب وذاكر وناظر وصنف، ثم اتفق موته في بلده في رجب منها على الصحيح المشهور والله أعلم.
ثم دخلت سنة ثمانين ومائتين من الهجرة في المحرم منها قتل المعتضد رجلا من أمراء الزنج كان قد لجأ بالأمان ويعرف بسلمة (1)، ذكر له أنه يدعو إلى رجل لا يعرف من هو، وقد أفسد جماعة، فاستدعي به فقرره فلم يقر، وقال: لو كان تحت قدمي ما أقررت به، فأمر به فشد على عمود ثم لوحه على النار حتى تساقط جلده، ثم أمر بضرب عنقه وصلبه لسبع خلون من المحرم. وفي أول صفر ركب المعتضد من بغداد قاصدا بني شيبان من أرض الموصل فأوقع بهم بأسا شديدا عند جبل يقال له نوباذ (2). وكان مع المعتضد حاد جيد الحداء، فقال في تلك الليالي يحدو المعتضد:
فأجهشت للنوباذ حين رأيته * وهللت للرحمن حين رآني وقلت له أين الذين عهدتهم * بظلك في أمن ولين زمامي فقال مضوا واستخلفواني مكانهم * ومن ذا الذي يبقى على الحدثان وفيها أسر المعتضد بتسهيل عقبة حلوان فغرم عليها عشرين ألف دينار، وكان الناس يلقون منها شدة عظيمة. وفيها أمر بتوسيع جامع المنصور بإضافة دار المنصور إليه، وغرم عليه عشرين ألف دينار، وكانت الدار قبلته فبناها مسجدا على حدة وفتح بينهما سبعة عشر بابا وحول المنبر والمحراب إلى المسجد ليكون في قبلة الجامع على عادته. قال الخطيب: وزاد بدر مولى المعتضد السقفان من قصر المنصور المعروفة بالبدرية.
بناء دار الخلافة من بغداد في هذا الوقت أول من بناها المعتضد في هذه السنة. وهو أول من سكنها من الخلفاء إلى آخر دولتهم، وكانت أولا دار للحسن بن سهل تعرف بالقصر الحسني، ثم صارت بعد ذلك لابنته بوران زوجة المأمون، .