ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ومائتين فيها قدم القاسم بن سيما من بلاد الروم فدخل بغداد ومعه الأسارى والعلوج بأيديهم أعلام عليها صلبان من الذهب، وخلق من الأسارى. وفيها قدمت هدايا نائب خراسان أحمد بن إسماعيل بن أحمد الساماني، من ذلك مائة وعشرون غلاما بحرابهم وأسلحتهم وما يحتاجون إليه، وخمسون بازا وخمسون جملا تحمل من مرتفع الثياب، وخمسون رطلا من المسك وغير ذلك. وفيها فلج القاضي عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، فقلد مكانه على الجانب الشرقي والكرخ ابنه محمد. وفيها في شعبان أخذ رجلان يقال لأحدهما: أبو كبيرة والآخر يعرف بالسمري.
فذكروا أنهما من أصحاب رجل يقال له محمد بن بشر، وأنه يدعي الربوبية. وفيها وردت الاخبار بأن الروم قصدت اللاذقية. وفيها وردت الاخبار بأن ريحا صفراء هبت بمدينة الموصل فمات من حرها بشر كثير. وفيها حج بالناس الفضل الهاشمي. وفيها توفي من الأعيان:
ابن الراوندي (1) أحد مشاهير الزنادقة، كان أبوه يهوديا فأظهر الاسلام، ويقال إنه حرف التوراة كما عادى ابنه القرآن بالقرآن وألحد فيه، وصنف كتابا في الرد على القرآن سماه الدامغ. وكتابا في الرد على الشريعة والاعتراض عليها سماه الزمردة. وكتابا يقال له التاج في معنى ذلك، وله كتاب الفريد وكتاب إمامة المفضول الفاضل. وقد انتصب للرد على كتبه هذه جماعة منهم الشيخ أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي شيخ المعتزلة في زمانه، وقد أجاد في ذلك. وكذلك ولده أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي، قال الشيخ أبو علي: قرأت كتاب هذا الملحد الجاهل السفيه ابن الراوندي فلم أجد فيه إلا السفه والكذب والافتراء، قال: وقد وضع كتابا في قدم العالم ونفي الصانع وتصحيح مذهب الدهرية والرد على أهل التوحيد، ووضع كتابا في الرد على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعة عشر موضعا، ونسبه إلى الكذب - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - وطعن على القرآن، ووضع كتابا لليهود والنصارى وفضل دينهم على المسلمين والاسلام، يحتج لهم فيها على إبطال نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من الكتب التي تبين خروجه عن الاسلام. نقل ذلك ابن الجوزي عنه. وقد أورد ابن الجوزي في منتظمه طرفا من كلامه وزندقته وطعنه على الآيات والشريعة. ورد عليه ذلك، وهو أقل وأخس وأذل من أن يلتفت إليه وإلى جهله وكلامه وهذيانه وسفهه وتمويهه. وقد أسند إليه حكايات من المسخرة والاستهتار والكفر والكبائر، منها ما هو صحيح عنه ومنها ما هو مفتعل عليه ممن هو مثله، وعلى طريقه ومسلكه في الكفر والتستر في المسخرة، يخرجونها في قوالب مسخرة وقلوبهم مشحونة بالكفر والزندقة، وهذا كثير موجود .