عوضه واستمر فيها مدة فبينما هو ذات ليلة قد اجتماع عنده أصحابه وهو في أتم السرور، قد هيئ له في مجلس حافل بأنواع اللذات، وقد نظم أبياتا والمغنون يغنونه بها وهو في غاية الطرب والسرور والفرح، وهي هذه الأبيات:
دعوت الهنا ودعوت العلا (1) * فلما أجابا دعوت القدح وقلت لأيام شرخ الشبا * ب إلي. فهذا أوان الفرح إذا بلغ المرء آماله * فليس له بعدها منتزح (2) ثم قال لأصحابه: باكروني غدا إلى الصبوح، ونهض إلى بيت منامه فما أصبح حتى قبض عليه مؤيد الدولة وأخذ جميع ما في داره من الحواصل والأموال، وجعله مثلة في العباد، وأعاد إلى وزارته ابن عباد. وقد ذكر ابن الجوزي: أن ابن عباد هذا حين حضرته الوفاة جاءه الملك فخر الدولة بن مؤيد الدولة يعوده ليوصيه في أموره فقال له: إني موصيك أن تستمر في الأمور على ما تركتها عليه، ولا تغيرها، فإنك إن استمريت بها نسبت إليك من أول الامر إلى آخره، وإن غيرتها وسلكت غيرها نسب الخير المتقدم إلى لا إليك، وأنا أحب أن تكون نسبة الخير إليك وإن كنت أنا المشير بها عليك. فأعجبه ذلك منه واستمر بما أوصاه به من الخير، وكانت وفاته في عشية يوم الجمعة لست بقين من صفر منها. قال ابن خلكان: وهو أول من تسمى من الوزراء بالصاحب، ثم استعمل بعده منهم، وإنما سمي بذلك لكثرة صحبته الوزير أبا الفضل بن العميد، ثم أطلق عليه أيام وزارته. وقال الصابئ في كتابه الناجي: إنما سماه الصاحب مؤيد الدولة لأنه كان صحابه من الصغر، وكان إذ ذاك يسميه الصاحب، فلما ملك واستوزره سماه به واستمر فاشتهر به، وسمي به الوزراء بعده، ثم ذكر ابن خلكان قطعة صالحة من مكارمه وفضائله وثناء الناس عليه، وعدد له مصنفات كثيرة، منها كتابه المحيط في اللغة في سبع مجلدات، يحتوي على أكثر اللغة وأورد من شعره أشياء منها في الخمر:
رق الزجاج وراقت (3) الخمر * وتشابها فتشاكل الامر فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر قال ابن خلكان: توفي بالري في هذه السنة وله نحو ستين سنة ونقل إلى أصبهان رحمه الله.
الحسن بن حامد أبو محمد الأديب، كان شاعرا متجولا كثير المكارم، روى عن علي بن محمد بن سعيد الموصلي .