الصلاة. فجاء الناس إلى محل الاستسقاء وجاء القاضي منذر فصعد المنبر والناس ينظرون إليه ويسمعون ما يقول، فلما أقبل عليهم كان أول ما خاطبهم به قال: (سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) [الانعام: 54] ثم أعادها مرارا فأخذ الناس في البكاء والنحيب والتوبة والإنابة، فلم يزالوا كذلك حتى سقوا ورجعوا يخوضون الماء.
أبو الحسن علي بن أحمد ابن المرزبان الفقيه الشافعي، تفقه بأبي الحسين بن القطان وأخذ عنه الشيخ أبو حامد الأسفراييني. قال ابن خلكان: كان ورعا زاهدا ليس لأحد عنده مظلمة، وله في المذهب وجه، وكان له درس ببغداد. توفي في رجب منها.
ثم دخلت سنة سبع وستين وثلاثمائة فيها دخل عضد الدولة إلى بغداد وخرج منها عز الدولة بختيار واتبعه عضد الدولة وأخذ معه الخليفة فاستعفاه فأعفاه، وسار عضد الدولة وراه فأخذه أسيرا، ثم قتل سريعا وتصرمت دولته واستقر أمر عضد الدولة ببغداد، وخلع عليه الخليفة الخلع السنية والأسورة والطوق، وأعطاه لواءين أحدهما ذهب والآخر فضة، ولم يكن هذا لغيره إلا لأولياء العهد، وأرسل إليه الخليفة بتحف سنية، وبعث عضد الدولة إلى الخليفة أموالا جزيلة من الذهب والفضة واستقرت يده على بغداد وما والاها من البلاد، وزلزلت بغداد مرارا في هذه السنة، وزادت دجلة زيادة كثيرة غرق بسببها خلق كثير، وقيل لعضد الدولة إن أهل بغداد قد قلوا كثيرا بسبب الطاعون وما وقع بينهم من الفتن بسبب الرفض والسنة وأصابهم حريق وغرق، فقال: إنما يهيج الشر بين الناس هؤلاء القصاص والوعاظ، ثم رسم أن أحدا لا يقص ولا يعظ في سائر بغداد ولا يسأل سائل باسم أحد من الصحابة، وإنما يقرأ القرآن فمن أعطاه أخذ منه. فعمل بذلك في البلد، ثم بلغه أن أبا الحسين بن سمعون الواعظ - وكان من الصالحين - لم يترك الوعظ بل استمر على عادته، فأرسل إليه من جاء به، وتحول عضد الدولة من مجلسه وجلس وحده لئلا يبدر من ابن سمعون إليه بين الدولة كلام يكرهه، وقيل لابن سمعون: إذا دخلت على الملك فتواضع في الخطاب وقبل التراب. فلما دخل دار الملك وجده قد جلس وحده لئلا يبدر من ابن سمعون في حقه كلام بحضرة الناس يؤثر عنه. ودخل الحاجب بين يديه يستأذن له عليه ودخل ابن سمعون وراءه، ثم استفتح القراءة بقوله (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة) الآية [هود: 102]. ثم التفت بوجهه نحو دار عز الدولة ثم قرأ (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظرهم كيف تعملون) [يونس: 14] ثم أخذ في مخاطبة الملك ووعظه فبكى عضد الدولة بكاء كثيرا، وجزاه خيرا. فلما خرج من عنده قال للحاجب: