كثير والله أعلم وهو الموفق إلى الصواب وإليه المرجع والمآب.
ولما رأى الخليفة المعتمد أن أخاه أبا أحمد قد استحوذ على أمور الخلافة وصار هو الحاكم الآمر الناهي، وإليه تجلب التقادم وتحمل الأموال والخراج، وهو الذي يولي ويعزل، كتب إلى أحمد بن طولون يشكو إليه ذلك، فكتب إليه ابن طولون أن يتحول إلى عنده إلى مصر ووعده النصر والقيام معه، فاستغنم غيبة أخيه الموفق وركب في جمادى الأولى ومعه جماعة من القواد وقد أرصد له ابن طولون جيشا بالرقة يتلقونه، فلما اجتاز الخليفة بإسحاق بن كنداج (1) نائب الموصل وعامة الجزيرة اعتقله عنده عن الميسر إلى ابن طولون، وفند أعيان الأمراء الذين معه، وعاتب الخليفة ولامه على هذا الصنع أشد اللوم، ثم ألزمه العود إلى سامرا ومن معه من الأمراء فرجعوا إليها في غاية الذل والإهانة.
ولما بلغ الموفق ذلك شكر سعي إسحاق وولاه جميع أعمال أحمد بن طولون إلى أقصى بلاد إفريقية، وكتب إلى أخيه أن يأمن ابن طولون في دار العامة، فلم يمكن المعتمد إلا إجابته إلى ذلك، وهو كاره، وكان ابن طولون قد قطع ذكر الموفق في الخطب وأسقط اسمه عن الطرازات.
وفيها في ذي القعدة وقعت فتنة بمكة بين أصحاب الموفق وأصحاب ابن طولون، فقتل من أصحاب ابن طولون مائتان وهرب بقيتهم، واستلبهم أصحاب الموفق شيئا كثيرا. وفيها قطع الاعراب على الحجيج الطريق وأخذ منهم خمسة آلاف بعير بأحمالها.
وفيها توفي إبراهيم بن منقذ الكناني (2). وأحمد بن خلاد (3) مولى المعتصم - وكان من دعاة المعتزلة أخذ الكلام عن جعفر بن معشر المعتزلي - وسليمان بن حفص المعتزلي صاحب بشر المريسي، وأبي الهذيل العلاف. وعيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني نائب أرمينية وديار بكر. وأبو فروة يزيد بن محمد الرهاوي أحد الضعفاء.
ثم دخلت سنة سبعين ومائتين فيها كان مقتل صاحب الزنج قبحه الله: وذلك أن الموفق لما فرغ من شأن مدينة صاحب الزنج وهي المختارة واحتاز ما كان بها من الأموال وقتل من كان بها من الرجال، وسبى من وجد فيها من النساء والأطفال، وهرب صاحب الزنج عن حومة الحرب والجلاد، وسار إلى بعض البلاد طريدا شريدا بشر حال، عاد الموفق إلى مدينته الموفقية مؤيد منصورا، وقدم عليه لؤلؤة غلام أحمد بن طولون منابذا لسيده سميعا مطيعا للموفق، وكان وروده عليه في ثالث المحرم من هذه السنة، فأكرمه وعظمه وأعطاه وخلع عليه وأحسن إليه، وبعثه طليعة بين يديه لقتال صاحب الزنج، وركب الموفق في .