فعمرتها حتى استنزلها المعتضد عنها فأجابته إلى ذلك، ثم أصلحت ما وهى منها ورممت ما كان قد تشعث فيها، وفرشتها بأنواع الفرش في كل موضع منها ما يليق به من المفارش، وأسكنته ما يليق به من الجواري والخدم، وأعدت بها المآكل الشهية وما يحسن ادخاره في ذلك الزمان، ثم أرسلت مفاتيحها إلى المعتضد، فلما دخلها هاله ما رأى من الخيرات، ثم وسعها وزاد فيها وجعل لها سورا حولها، وكانت قدر مدينة شيراز، وبنى الميدان ثم بنى فيها قصرا مشرفا على دجلة، ثم بنى فيها المكتفي التاج، فلما كان أيام المقتدر زاد فيها زيادات أخر كبارا كثيرة جدا، ثم بعد هذا كله خربت حتى كأن لم يكن موضعها عمارة، وتأخرت آثارها إلى أيام التتار الذين خربوها وخربوا بغداد وسبوا من كان بها من الحرائر كما سيأتي بيانه في موضعه من سنة ست وخمسين وستمائة. قال الخطيب: والذي يشبه أن بوران وهبت دارها للمعتمد لا للمعتضد، فإنها لم تعش إلى أيامه، وقد تقدمت وفاتها.
وفيها زلزلت أردبيل (1) ست مرات فتهدمت دورها ولم يبق منها مائة دار، ومات تحت الردم مائة ألف وخمسون ألفا فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفيها غارت المياه ببلاد الري وطبرستان حتى بيع الماء كل ثلاثة أرطال بدرهم، وغلت الأسعار هنالك جدا.
وفيها غزا إسماعيل بن أحمد الساماني ببلاد الترك ففتح مدينة ملكهم وأسر امرأته الخاتون وأباه (2) ونحوا من عشرة آلاف أسير، وغنم من الدواب والأمتعة والأموال شيئا كثيرا، أصاب الفارس ألف درهم. وفيها حج بالناس أبو بكر محمد بن هارون بن إسحاق العباسي.
وفيها توفي من الأعيان أحمد بن سيار بن أيوب الفقيه الشافعي المشهور بالعبادة والزهادة.
وأحمد بن أبي عمران موسى بن عيسى أبو جعفر البغدادي، كان من أكابر الحنفية، تفقه على محمد بن سماعة وهو أستاذ أبي جعفر الطحاوي، وكان ظريرا، سمع الحديث من علي بن الجعد وغيره، وقدم مصر فحدث بها من حفظه، وتوفي بها في المحرم من هذه السنة، وقد وثقه ابن يونس في تاريخ مصر.
وأحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر القاضي بواسط، صاحب المسند، روى عن مسلم بن إبراهيم وأبي سلمة التبوذكي، وأبي نعيم وأبي الوليد وخلق، وكان ثقة ثبتا تفقه بأبي سليمان الجوزجاني صاحب محمد بن الحسن وقد حكم بالجانب الشرقي من بغداد في أيام المعتز، فلما كان أيام الموفق طلب منه ومن إسماعيل القاضي أن .