أبو الحسن الأشعري قدم بغداد وأخذ الحديث عن زكريا بن يحيى الساجي وتفقه بابن سريج. وقد ذكرنا ترجمته في طبقات الشافعية. وذكر ابن خلكان: أنه كان يجلس في حلقة الشيخ أبي إسحاق المروزي، وقد كان الأشعري معتزليا فتاب منه بالبصرة فوق المنبر، ثم أظهر فضائح المعتزلة وقبائحهم، وله من الكتب: الموجز وغيره، وحكي عن ابن حزم أنه قال: للأشعري خمسة وخمسون تصنيفا. وذكر أن مغله كان في كل سنة سبعة عشر ألف درهم، وأنه كان من أكثر الناس دعابة، وأنه ولد سنة سبعين ومائتين، وقيل سنة ستين ومائتين، ومات في هذه السنة، وقيل في سنة ثلاثين، وقيل في سنة بضع وثلاثين وثلاثمائة فالله أعلم.
محمد بن الفضل بن عبد الله، أبو ذر التميمي، كان رئيس جرجان، سمع الكثير، وتفقه بمذهب الشافعي، وكانت داره مجمع العلماء، وله إفضال كثير على طلبة العلم من أهل زمانه.
هارون بن المقتدر أخو الخليفة الراضي، توفي في ربيع الأول منها، فحزن عليه أخوه الراضي. وأمر بنفي بختيشوع بن يحيى المتطبب إلى الأنبار، لأنه اتهم في علاجه، ثم شفعت فيه أم الراضي فرده.
ثم دخلت سنة خمس وعشرين وثلاثمائة في المحرم منها خرج الخليفة الراضي وأمير الأمراء محمد بن رائق من بغداد قاصدين واسط لقتال أبي عبد الله البريدي نائب الأهواز، الذي قد تجبر بها ومنع الخراج، فلما سار ابن رائق إلى واسط خرج الحجون (1) فقاتلوه فسلط عليهم بجكم فطحنهم (2)، ورجع فلهم إلى بغداد فتلقاهم لؤلؤ أمير الشرطة فاحتاط على أكثرهم ونهبت دورهم، ولم يبق لهم رأس يرتفع، وقطعت أرزاقهم من بيت المال بالكلية. وبعث الخليفة وابن رائق إلى أبي عبد الله البريدي يتهددانه فأجاب إلى حمل كل سنة ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار يقوم بها، تحمل كل سنة على حدته، وأنه يجهز جيشا إلى قتال عضد الدولة بن بويه. فلما رجع الخليفة إلى بغداد لم يحمل شيئا ولم يبعث أحدا. ثم بعث ابن رائق بجكم وبدرا الحسيني لقتال البريدي، فجرت بينهم حروب وخطوب، وأمور يطول ذكرها. ثم لجأ البريدي إلى عماد الدولة واستجار به، واستحوذ بجكم على بلاد الأهواز، وجعل إليه ابن رائق خراجها، وكان بجكم هذا شجاعا فاتكا. وفي ربيع الأول خلع الخليفة على بجكم وعقد له الامارة ببغداد، وولاه نيابة المشرق إلى خراسان. وفيها من الأعيان أبو حامد بن الشرقي:
.