ودفن بطرسوس، فولى نيابة الثغر بعده أحمد الجعيفي (1) بأمر خمارويه بن أحمد بن طولون، ثم عزله عن قريب بابن عمه موسى بن طولون. وفيها توفي عبدة بن عبد الرحيم قبحه الله. ذكر ابن الجوزي أن هذا الشقي كان من المجاهدين كثيرا في بلاد الروم، فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون محاصروا بلدة من بلاد الروم إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن فهويها فراسلها ما السبيل إلى الوصول إليك؟ فقالت أن تتنصر وتصعد إلي، فأجابها إلى ذلك، فلما راع المسلمين إلا وهو عندها، فاغتم المسلمون بسبب ذلك غما شديدا، وشق عليهم مشقة عظيمة، فلما كان بعد مدة مروا عليه وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن فقالوا: يا فلان ما فعل قرآنك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعلت صلاتك؟ فقال: اعلموا أني أنسيت القرآن كله إلا قوله (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلهيهم الامل فسوف يعلمون) [الحجر: 3] وقد صار لي فيهم مال وولد.
ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائتين في أواخر المحرم منها خلع جعفر المفوض من العهد واستقل بولاية العهد من بعد المعتمد أبو العباس المعتضد بن الموفق، وخطب له بذلك على رؤوس الاشهاد، وفي ذلك يقول يحيى بن علي يهني المعتضد:
ليهنيك عقد أنت فيه المقدم * حباك به رب بفضلك أعلم فإن كنت قد أصبحت والي عهدنا * فأنت غدا فينا الامام المعظم ولا زال من والاك فيه مبلغا * مناه ومن عاداك يخزى ويندم (2) وكان عمود الدين فيه تعوج (3) * فعاد بهذا العهد وهو مقوم وأصبح وجه الملك جذلان ضاحكا * يضئ لنا منه الذي كان مظلم (4) فدونك شدد عقد ما قد حويته * فإنك دون الناس فيه المحكم وفيها نودي ببغداد أن لا يمكن أحد من القصاص والطرقية والمنجمين ومن أشبههم من الجلوس في المساجد ولا في الطرقات، وأن لاتباع كتب الكلام والفلسفة والجدل بين الناس، وذلك بهمة أبي العباس المعتضد سلطان الاسلام. وفيها وقعت حروب بين هارون الشاري وبين بني شيبان في أرض الموصل وقد بسط ذلك ابن الأثير في كامله.
.