سعيد بن بشار المعروف بالأنماطي أحد كبار الشافعية. وقد ذكرناه في طبقاتهم. وهارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى أبو موسى الهاشمي إمام الناس في الحج عدة سنين متوالية، وقد سمع وحدث وتوفي بمصر في رمضان من هذه السنة.
ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائتين فيها عاثت القرامطة بسواد الكوفة فظفر بعض (1) العمال بطائفة منهم فبعث برئيسهم إلى المعتضد وهو أبو الفوارس، فنال من العباس بين يدي الخليفة فأمر فقلعت أضراسه وخلعت يداه ثم قطعتا مع رجليه، ثم قتل وصلب ببغداد. وفيها قصدت القرامطة دمشق في جحفل عظيم فقاتلهم نائبها طغج بن جف من جهة هارون بن خمارويه، فهزموه مرات متعددة، وتفاقم الحال بهم، وكان ذلك بسفارة يحيى بن زكرويه بن بهرويه الذي ادعى عند القرامطة أنه محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد كذب في ذلك، وزعم لهم أنه قد اتبعه على أمره مائة ألف، وأن ناقته مأمورة حيث ما توجهت به نصر على أهل تلك الجهة.
فراج ذلك عندهم ولقبوه الشيخ، واتبعه طائفة من بني الأصبغ، وسموا بالفاطميين. وقد بعث إليهم الخليفة جيشا كثيفا فهزموه، ثم اجتازوا بالرصافة فأحرقوا جامعها، ولم يجتازوا بقرية إلا نهبوها ولم يزل ذلك دأبهم حتى وصلوا إلى دمشق فقاتلهم نائبها فهزموه مرات وقتلوا من أهلها خلقا كثيرا، وانتهبوا من أموالها شيئا كثيرا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي هذه الحالة الشديدة اتفق موت الخليفة المعتضد بالله في ربيع الأول منها.
الخليفة المعتضد هو أحمد بن الأمير أبي أحمد بن الموفق الملقب بناصر دين الله، واسم أبي أحمد محمد، وقيل طلحة بن جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بن هارون الرشيد، أبو العباس المعتضد بالله، ولد في سنة ثنتين وقيل ثلاث وأربعين ومائتين، وأمه أم ولد. وكان أسمر نحيف الجسم معتدل القامة، قد وخطه الشيب، في مقدم لحيته طول، وفي رأسه شامة بيضاء. بويع له بالخلافة صبيحة يوم الاثنين إحدى عشرة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، واستوزر عبيد الله بن وهب بن سليمان، وولى القضاء إسماعيل بن إسحاق، ويوسف بن يعقوب، وابن أبي الشوارب. وكان أمر الخلافة قد ضعف في أيام عمه المعتمد، فلما ولي المعتضد أقام شعارها ورفع منارها. وكان شجاعا فاضلا من رجالات قريش حزما وجرأة وإقداما وحزمة. وكذلك كان أبوه، وقد أورد ابن الجوزي بإسناده أن المعتضد اجتاز في بعض أسفاره بقرية فيها مقثاة فوقف صاحبها صائحا مستصرخا بالخليفة فاستدعى به فسأله .