في معاندتهم، كما قال تعالى عنهم (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين) [الأنفال: 31].
أشياء من حيل الحلاج روى الخطيب البغدادي: أن الحلاج بعث رجلا من خاصة أصحابه وأمره أن يذهب بين يديه إلى بلد من بلاد الجبل، وأن يظهر لهم العبادة والصلاح والزهد، فإذا رآهم قد أقبلوا عليه وأحبوه واعتقدوه أظهر لهم أنه قد عمي، ثم يظهر لهم بعد أيام أنه قد تكسح، فإذا سعوا في مداواته، قال لهم: يا جماعة الخير، إنه لا ينفعني شئ مما تفعلون، ثم يظهر لهم بعد أيام أنه قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له: إن شفاءك لا يكون إلا على يدي القطب، وإنه سيقدم عليك في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني، وصفته كذا وكذا، وقال له الحلاج: إني سأقدم عليك في ذلك الوقت. فذهب ذلك الرجل إلى تلك البلاد فأقام بها يتعبد ويظهر الصلاح والتنسك ويقرأ القرآن. فأقام مدة على ذلك فاعتقدوه وأحبوه، ثم أظهر لهم أنه قد عمي فمكث حينا على ذلك، ثم أظهر لهم أنه قد زمن، فسعوا بمداواته بكل ممكن فلم ينتج فيه شئ، فقال لهم: يا جماعة الخير هذا الذي تفعلونه معي لا ينتج شيئا وأنا قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول لي: إن عافيتك وشفاءك إنما هو على يدي القطب، وإنه سيقدم عليك في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني، وكانوا أولا يقودونه إلى المسجد ثم صاروا يحملونه ويكرمونه كان في الوقت الذي ذكر لهم، واتفق هو والحلاج عليه، أقبل الحلاج حتى دخل البلد مختفيا وعليه ثياب صوف بيض، فدخل المسجد ولزم سارية يتعبد فيه لا يلتفت إلى أحد، فعرفه الناس بالصفات التي وصف لهم ذلك العليل، فابتدروا إليه يسلمون عليه وتمسحون به، ثم جاؤوا إلى ذلك الزمن المتعافى فأخبره بخبره، فقال: صفوه لي، فوصفوه له فقال: هذا الذي أخبرني عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وأن شفائي على يديه، اذهبوا بي إليه. فحملوه حتى وضعوه بين يديه فكلمه فعرفه فقال: يا أبا عبد الله إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام. ثم ذكر له رؤياه، فرفع الحلاج يديه فدعا له ثم تفل من ريقه في كفيه ثم مسح بهما على عينيه ففتحهما كأن لم يكن بهما داء قط فأبصر، ثم أخذ من ريقه فمسح على رجليه فقام من ساعته فمشى كأنه لم يكن به شئ والناس حضور، وأمراء تلك البلاد وكبراؤهم عنده، فضج الناس ضجة عظيمة وكبروا الله وسبحوه وعظموا الحلاج تعظيما زائدا على ما أظهر لهم من الباطل والزور. ثم أقام عندهم مدة يكرمونه ويعظمونه ويودون لو طلب منهم ما عساه أن يطلب من أموالهم. فلما أراد الخروج عنهم أرادوا أن يجمعوا له مالا كثيرا فقال: أما أنا فلا حاجة لي بالدنيا، وإنما وصلنا إلى ما وصلنا إليه بترك الدنيا، ولعل صاحبكم هذا أن يكون له إخوان وأصحاب من الابدال الذين يجاهدون بثغر طرسوس، ويحجون ويتصدقون، محتاجين إلى ما يعينهم على ذلك، فقال ذلك الرجل المتزامن المتعافى. صدق الشيخ، قد رد الله علي بصري ومن الله علي بالعافية، لأجعلن بقية عمري في الجهاد في سبيل الله، والحج إلى بيت الله مع إخواننا الابدال