عنه الصوري، وكان صدوقا. وهو الذي أنزل المتنبي داره حين قدم بغداد وأحسن إليه حتى قال له المتنبي: لو كنت مادحا تاجرا لمدحتك، وقد كان أبو محمد هذا شاعرا ماهرا، فمن شعره الجيد قوله:
شربت المعالي غير منتظر بها * كسادا ولا سوقا يقام لها أحرى وما أنا من أهل المكاسب كلما * توفرت الأثمان كنت لها أشرى ابن شاهين الواعظ عمر بن أحمد بن عثمان بن محمد بن أيوب بن زذان، أبو حفص المشهور، سمع الكثير وحدث عن الباغندي وأبي بكر بن أبي داود والبغوي، وابن صاعد، وخلق. وكان ثقة أمينا، يسكن الجانب الشرقي من بغداد، وكانت له المصنفات العديدة. ذكر عنه أنه صنف ثلاثمائة وثلاثين مصنفا منها التفسير في ألف جزء، والمسند في ألف وخمسمائة جزء، والتاريخ في مائة وخمسين جزءا، والزاهد في مائة جزء. توفي في ذي الحجة منها وقد قارب التسعين رحمه الله.
الحافظ الدارقطني علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن دينار بن عبد الله الحافظ الكبير، أستاذ هذه الصناعة، وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، سمع الكثير، وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد، وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل، والجرح والتعديل، وحسن التصنيف والتأليف، واتساع الرواية، والاطلاع التام في الدراية، له كتابه المشهور من أحسن المصنفات في بابه، لم يسبق إلى مثله ولا يلحق في شكله إلا من استمد من بحره وعمل كعمله، وله كتاب العلل بين فيه الصواب من الدخل، والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل، وكتاب الافراد الذي لا يفهمه، فضلا عن أن ينظمه، إلا من هو من الحفاظ الافراد، والأئمة النقاد، والجهابذة الجياد، وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد، وكان من صغره موصوفا بالحفظ الباهر، والفهم الثاقب، والبحر الزاخر، جلس مرة في مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي على الناس الأحاديث، والدار قطني ينسخ في جزء حديث، فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس: إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للاملاء أحسن من فهمك وأحضر، ثم قال له ذلك الرجل: أتحفظ كم أملى حديثا؟ فقال: إنه أملى ثمانية عشر حديثا إلى الآن، والحديث الأول منها عن فلان عن فلان، ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئا، فتعجب الناس منه. وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: لم ير الدارقطني مثل نفسه. وقال ابن الجوزي: وقد اجتمع له مع معرفة الحديث والعلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر مع الإمامة والعدالة، وصحة العقيدة، وقد كانت وفاته في