وإليهم تجبى الأموال، ويرجع إليهم في سائر الأمور والأحوال، على ما سنذكر ذلك مبسوطا والله المستعان:
وفيها توفي من الأعيان..
أحمد بن محمد بن سلامة ابن سلمة بن عبد الملك أبو جعفر الطحاوي، نسبة إلى قرية بصعيد مصر، الفقيه الحنفي صاحب المصنفات المفيدة، والفوائد الغزيرة: وهو أحد الثقات الاثبات، والحفاظ الجهابذة، وطحا بلدة بدريا بمصر. وهو ابن أخت المزني. توفي في مستهل ذي القعدة منها عن ثنتين وثمانين سنة وذكر أبو سعيد السمعاني: أنه ولد في سنة تسع وعشرين ومائتين، فعلى هذا يكون قد جاوز التسعين والله أعلم. وذكر ابن خلكان في الوفيات أن سبب انتقاله إلى مذهب أبي حنيفة ورجوعه عن مذهب خاله المزني، أن خاله قال له يوما: والله لا يجئ منك شئ. فغضب وتركه واشتغل على أبي جعفر بن أبي عمران الحنفي، حتى برع وفاق أهل زمانه، وصنف كتابا كثيرة. منها أحكام القرآن، واختلاف العلماء. ومعاني الآثار، والتاريخ الكبير. وله في الشروط كتاب، وكان بارعا فيها. وقد كتب للقاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الله وعدله القاضي أبو عبيد بن حربويه، وكان يقول: رحم الله المزني، لو كان حيا لكفر عن يمينه. توفي في مستهل ذي القعدة كما تقدم. ودفن بالقرافة وقبره مشهور بها رحمه الله. وقد ترجمه ابن عساكر وذكر أنه قد قدم دمشق سنة ثمان وستين ومائتين، وأخذ الفقه عن قاضيها أبي حازم.
أحمد بن محمد بن موسى بن النضر ابن حكيم بن علي بن زربى أبو بكر المعروف بابن أبي حامد صاحب بيت المال. سمع عباسا الدوري وخلقا، وعنه الدارقطني وغيره. وكان ثقة صدوقا، جوادا ممدحا، اتفق في أيامه أن رجلا من أهل العلم كانت له جارية يحبها حبا شديدا، فركبته ديون اقتضت بيع تلك الجارية في الدين، فلما أن قبض ثمنها ندم ندامة شديدة على فراقها، وبقي متحيرا في أمره، ثم باعها الذي اشتراها فوصلت إلى ابن أبي حامد هذا، وهو صاحب بيت المال، فتشفع صاحبها الأول - الذي باعها في الدين - ببعض أصحاب ابن أبي حامد في أن يردها إليه ثمنها، وذكر له أنه يحبها، وأنه من أهل العلم، وإنما باعها في دين ركبه لم يجد له وفاء. فلما قال له ذلك لم يكن عند ابن أبي حامد شعور بما ذكر له من أمر الجارية، وذلك أن امرأته كانت اشترتها له ولم تعلمه بعد بأمرها حتى تحل من استبرائها، وكان ذلك اليوم آخر الاستبراء، فألبستها الحلي والمصاغ وصنعتها له وهيأتها، حتى صارت كأنها فلقة قمر، وكانت حسناء، فحين شفع صاحبه فيها وذكر أمرها بهت لعدم علمه بها.