ثم دخلت سنة تسع وثمانين وثلاثمائة فيها قصد محمود بن سبكتكين بلاد خراسان فاستلب ملكها من أيدي السامانية، وواقعهم مرات متعددة في هذه السنة وما قبلها، حتى أزال اسمهم ورسمهم عن البلاد بالكلية، وانقرضت دولتهم بالكلية، ثم صمد لقتال ملك الترك بما وراء النهر، وذلك بعد موت الخاقان الكبير الذي يقال له فائق، وجرت له معهم حروب وخطوب. وفيها استولى بهاء الدولة على بلاد فارس وخوزستان، وفيها أرادت الشيعة أن يصنعوا ما كانوا يصنعونه من الزينة يوم غدير خم، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فيما يزعمونه، فقاتلهم جهلة آخرون في المنتسبين إلى السنة فادعوا أن في مثل هذا اليوم حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الغار فامتنعوا من ذلك، وهذا أيضا جهل من هؤلاء، فإن هذا إنما كان في أوائل ربيع الأول من أول سني الهجرة، فإنهما أقاما فيه ثلاثا، وحين خرجا منه قصدا المدينة فدخلاها بعد ثمانية أيام أو نحوها، وكان دخولهما المدينة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وهذا أمر معلوم مقرر محرر. ولما كانت الشيعة يصنعون في يوم عاشوراء مأتما يظهرون فيه الحزن على الحسين بن علي، قابلتهم طائفة أخرى من جهلة أهل السنة فادعوا أن في اليوم الثاني عشر من المحرم قتل مصعب بن الزبير، فعملوا له مأتما كما تعمل الشيعة للحسين، وزاروا قبره كما زاروا قبر الحسين، وهذا من باب مقابلة البدعة ببدعة مثلها، ولا يرفع البدعة إلا السنة الصحيحة. وفيها وقع برد شديد مع غيم مطبق، وريح قوية، بحيث أتلفت شيئا كثيرا من النخيل ببغداد، فلم يتراجع حملها إلى عادتها إلا بعد سنتين. وفيها حج بركب العراق الشريفان الرضى والمرتضى فاعتقلهما أمير الاعراب ابن الجراح فافتديا أنفسهما منه بتسعة آلاف دينار من أموالهما فأطلقهما.
وممن توفي فيها من الأعيان...
زاهر بن عبد الله ابن أحمد بن محمد بن عيسى السرخسي المقرئ الفقيه المحدث، شيخ عصره بخراسان، قرأ على ابن مجاهد، وتفقه بأبي إسحاق المروزي إمام الشافعية، وأخذ اللغة والأدب والنحو عن أبي بكر بن الأنباري. توفي في ربيع الآخر عن ست وتسعين (1) سنة.
عبد الله بن محمد بن إسحاق ابن سليمان بن مخلد بن إبراهيم بن مروز أبو القاسم المعروف بابن حبابة، روى عن البغوي وأبي بكر بن أبي داود وطبقتهما، وكان ثقة مأمونا مسندا، ولد ببغداد سنة تسع وتسعين ومائتين، .