فأعرض عن أحبابه ونعيمه * وعن لذة الدنيا وأصبح غازيا (1) وفي هذه السنة أقبلت الروم في مائة الف مقاتل فنزلوا قريبا (2) من طرسوس فخرج إليهم المسلمون فبيتوهم فقتلوا منهم في ليلة واحدة حتى الصباح نحوا من سبعين ألفا ولله الحمد. وقتل المقدم الذي عليهم وهو بطريق البطارقة، وجرح أكثر الباقين، وغنم المسلمون منهم غنيمة عظيمة، ومن ذلك سبع صلبان من ذهب وفضة، وصليبهم الأعظم وهو من ذهب صامت مكلل بالجواهر وأربع كراسي من ذهب ومائتي كرسي من فضة، وآنية كثيرة، وعشرة آلاف علم من ديباج، وغنموا حرير كثيرا وأموالا جزيلة، وخمسة عشر ألف دابة وسروجا وسلاحا وسيوفا محلاة وغير ذلك ولله الحمد.
وفيها توفي من الأعيان.
أحمد بن طولون أبو العباس أمير الديار المصرية وباني الجامع بها المنسوب إلى طولون، وإنما بناه أحمد ابنه (3)، وقد ملك دمشق والعواصم والثغور مدة طويلة، وقد كان أبوه طولون من الأتراك الذين أهداهم نوح بن أسد الساماني عامل بخارى إلى المأمون في سنة مائتين، ويقال إلى الرشيد في سنة تسعين ومائة. ولد أحمد هذا في سنة أربع عشرة ومائتين، ومات طولون أبوه في سنة ثلاثين، وقيل في سنة أربعين ومائتين. وحكى ابن خلكان: أنه لم يكن أباه وإنما تبناه والله أعلم. وحكى ابن عساكر أنه من جارية تركية اسمها هاشم. ونشأ أحمد هذا في صيانة وعفاف ورياسة ودراسة للقرآن العظيم، مع حسن الصوت به، وكان يعيب على أولاد الترك ما يرتكبونه من المحرمات والمنكرات، وكانت أمه جارية اسمها هاشم. وحكى ابن عساكر عن بعض مشايخ مصر أن طولون لم يكن أباه وإنما كان قد تبناه لديانته وحسن صوته بالقرآن وظهور نجابته وصيانته من صغره، وأن طولون اتفق له معه أن بعثه مرة في حاجة ليأتيه بها من دار الامارة فذهب فإذا حظية من حظايا طولون مع بعض الخدم وهما على فاحشة، فأخذ حاجته التي أمره بها وكر راجعا إليه سريعا، ولم يذكر له شيئا مما رأى من الحظية والخادم، فتوهمت الحظية أن يكون أحمد قد أخبر طولون بما رأى، فجاءت إلى طولون فقالت: إن أحمد جاءني الآن إلى المكان الفلاني وراودني عن نفسي وانصرفت إلى قصرها، فوقع في نفسه صدقها فاستدعى أحمد وكتب معه كتابا وختمه إلى بعض الأمراء ولم يواجه أحمد بشئ مما قالت الجارية، وكان في الكتاب أن ساعة وصول حامل هذا الكتاب إليك تضرب عنقه وأبعث برأسه سريعا إلي. فذهب .