وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجة - وهو يوم غدير خم - جرت فتنة بين الروافض والسنة واقتتلوا فقتل منهم خلق كثير، واستظهر أهل باب البصرة وحرقوا أعلام السلطان، فقتل جماعة اتهموا بفعل ذلك. وصلبوا على القناطر ليرتدع أمثالهم. وفيها ظهر أبو الفتوح الحسين بن جعفر العلوي أمير مكة، وادعى أنه خليفة، وسمى نفسه الراشد بالله، فمالاه أهل مكة وحصل له أموال من رجل أوصى له بها، فانتظم أمره بها، وتقلد سيفا وزعم أنه ذو الفقار، وأخذ بيده قضيبا زعم أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قصد بلاد الرملة ليستعين بعرب الشام، فتلقوه بالرحب وقبلوا له الأرض، وسلموا عليه بأمير المؤمنين، وأظهر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود. ثم أن الحاكم صاحب مصر - وكان قد قام بالامر من بعد أبيه العزيز في هذه السنة - بعث إلى عرب الشام بملطفات ووعدهم من الذهب بألوف ومئات، وكذلك إلى عرب الحجاز، واستناب على مكة أميرا وبعث إليه بخمسين ألف دينار، فانتظم أمر الحاكم وتمزق أمر الراشد، وانسحب إلى بلاده كما بدأ منها، وعاد إليها كما خرج عنها، واضمحل حاله وانتقضت حباله، وتفرق عنه رجاله.
وممن توفي فيها من الأعيان...
أحمد بن الحسين بن مهران أبو بكر المقري، توفي في شوال منها عن ست وثمانين سنة، واتفق له أنه مات في يوم وفاته أبو الحسن العامري الفيلسوف، فرأى بعض الصالحين أحمد بن الحسين بن مهران هذا في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أقام أبا الحسن العامري بجانبي، وقال: هذا فداؤك من النار.
عبد الله بن أحمد بن معروف أبو محمد قاضي قضاة بغداد روى عن ابن صاعد وعنه الخلال والأزهري وغيرهما، وكان من العلماء الثقات العقلاء الفطناء، حسن الشكل جميل اللبس، عفيفا عن الأموال، توفي عن خمس وسبعين سنة، وصلى عليه أبو أحمد الموسوي، فكبر عليه خمسا، ثم صلى عليه ابنه بجامع المنصور فكبر عليه أربعا، ثم دفن في داره سامحه الله.
جوهر بن عبد الله القائد باني القاهرة، أصله أرمني ويعرف بالكاتب، أخذ مصر بعد موت كافور الأخشيدي، أرسله مولاه العزيز الفاطمي إليها في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، فوصل إليها في شعبان منها في مائة ألف مقاتل، ومائتي صندوق لينفقه في عمارة القاهرة، فبرزوا لقتاله فكسرهم وجدد الأمان لأهلها، ودخلها يوم الثلاثاء لثمان عشرة خلت من شعبان، فشق مصر ونزل في مكان القاهرة