في مثل المقيم في بغداد بالنسبة إلى بلد الكاظمين (عليهما السلام) وفي مكة بالنسبة إلى منى وعرفة - محتاج إلى جرأة، وكأن الذي ألجأه إلى ذلك استبعاد احتسابه مسافرا وقاصدا للمسافة من ابتداء عوده مع إرادته التكرار، كما أومأ إليه بقوله: (وقد صرح الأصحاب) إلى آخره.
لكنك خبير بأنه يمكن أن يقال إنه وإن كان كذلك بادي الرأي إلا أنه مع التأمل ومراعاة قواعد الشرع في المسافر والمقيم التي هي لا تنطبق على ما في العرف في بعض الأحيان يرتفع ذلك الاستبعاد، ويعلم أن مراد الأصحاب بقصد المسافة ما يشمل مثل المقام، وأنه لا يضره هذا التردد في الأثناء من غير فرق بين قصده ذلك ابتداء أو بدا له في الأثناء وإن كان ظاهر الكشف الاعتراف به في الثاني، ولا بين قلته وكثرته، ولا بين التردد إلى مكان مخصوص أو غيره، فلا تناقض حينئذ بين كلماتهم كي يلتجأ منه إلى ما ذكره، بل قد يقوى في النظر، أن المتجه على كلام الشيخ ومن تبعه من القائلين بالقصر ذهابا وإيابا ومقصدا عدم الفرق بين التكرار وعدمه، لاقتضاء دليلهم ذلك.
نعم يتجه الفرق على مختار المتأخرين من التفصيل بين الذهاب والعود، فيقصر في الأخير خاصة، ضرورة أنه لا يعقل منهم الفرق بين الذهاب الأول الذي حكموا بالتمام فيه وبين الذهاب الثاني أو الثالث، إذ من المستبعد أن يحكموا بصدق السفر عليه مع هذا القصد ابتداء من حين الشروع في العود ثم الذهاب ثم الإياب وهكذا دون الذهاب الأول، ولعله إلى ذلك لوح المقدس الأردبيلي فيما حكي عنه، حيث قال:
(وأما مع عدم نية الإقامة فيكون قاصدا للرجوع مع عدم الإقامة المستأنفة أو مترددا أو ذاهلا، فالظاهر وجوب الاتمام مطلقا إلا أن يكون في نفسه السفر إلى بلد يكون مسافة بعد العود وقبل الإقامة، ويكون بالخروج عن بلد الإقامة قاصدا ذلك بحيث