وفي الكل نظر إذ مع احتمال خبر ابن مسلم التقية - أو إرادة بيان مطلق الجواز لاحتمال السؤال عنه، كنفي البأس في الموثق، وكذا تقدم الصادق (عليه السلام) سرير إسماعيل، مع أنه قضية في واقعة، وإلا فلا إشكال في رجحانية الخلف أو أحد الجانبين عليه حتى كان يعرفه العامة منا، فنسبوه إلى أهل البيت (عليهم السلام) على ما قيل، وعن بعض شراح مسلم أنه قال: " كون المشي وراء الجنازة أفضل من أمامها قول علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة، وقال جمهور الصحابة والتابعين ومالك والشافعي وجماهير العلماء: المشي قدامها أفضل، وقال الثوري وطائفة هما سواء " انتهى - قاصر عن مقاومة ما تقدم سيما بعد مشهورية الحكم بذلك بين الأصحاب، والاستدلال بأخبار التفصيل بين المؤمن وغيره ليس بأولى من الاستدلال بها على العكس من حيث صراحتها في النهي عن تقدم جنازة غير المؤمن، إذ لا تفصيل في كلام الخصم، بل لعل ذلك أولى من حيث معارضتها بالنسبة للمؤمن بما عرفته سابقا سيما النهي عن التبعية المشتمل على التعليل بمخالفة أهل الكتاب الذي هو كالصريح في عدم الفرق في ذلك بينهما، فلا بد حينئذ من حملها على شدة الكراهة بالنسبة لغير المؤمن دونه، للقطع بعدم إرادة ظاهرها من عدم المرجوحية في المشي أمام جنازة المؤمن.
وبذلك كله يظهر لك ما في كلام كشف اللثام كابن الجنيد من الفرق بين صاحب الجنازة وغيره، محتجا بما سمعته من فعل الصادق (عليه السلام)، ولا ريب في ضعفه كما عرفت، وكذا ما سمعته من العماني من القول بالمنع فيه لأخبار التفصيل، إذ هي مع ضعفها وإعراض الأصحاب عنها بالنسبة إلى ذلك معارضة بغيرها مما دل على الجواز كما سمعت، هذا.
ويمكن القول بأن المراد بالكراهة عند الأصحاب هنا كراهة العبادة بمعنى أقلية الثواب، وعليه يرتفع الخلاف حينئذ بين القولين الأولين، وهو قريب جدا، فتأمل جيدا.
فتأمل جيدا.