لا سبيل إليه، فإن قيل: فإذا تترس الكفار بالمسلمين فلا نقطع بتسلطهم على استئصال الاسلام لو لم يقصد، الترس، بل يدرك ذلك بغلبة الظن، قلنا: لا جرم ذكر العراقيون في المذهب وجهين في تلك المسألة، وعللوا بأن ذلك مظنون. ونحن إنما نجوز ذلك عند القطع أو ظن قريب من القطع، والظن القريب من القطع إذا صار كليا وعظم الخطر فيه، فتحتقر الاشخاص الجزئية بالإضافة إليه، فإن قيل إن في توقفنا عن الساعي في الأرض بالفساد ضررا كليا بتعريض أموال المسلمين ودمائهم للهلاك، وغلب ذلك على الظن بما عرف من طبيعته وعادته المجربة طول عمره، قلنا: لا يبعد أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى قتله إذا كان كذلك، بل هو أولى من الترس، فإنه لم يذنب ذنبا، وهذا قد ظهرت منه جرائم توجب العقوبة وإن لم توجب القتل وكأنه التحق بالحيوانات الضارية لما عرف من طبيعته وسجيته، فإن قيل: كيف يجوز المصير إلى هذا في هذه المسألة، وفي مسألة الترس، وقد قدمتم أن المصلحة إذا خالفت النص لم تتبع كإيجاب صوم شهرين على الملوك إذا جامعوا في نهار رمضان، وهذا يخالف قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) * (النساء: 39) وقوله تعالى: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) * (الانعام: 151) وأي ذنب لمسلم يتترس به كافر، فإن زعمتم أنا نخصص العموم بصورة ليس فيها خطر كلي فلنخصص العتق بصورة يحصل بها الانزجار عن الجناية حتى يخرج عنها الملوك، فإذا غاية الأمر في مسألة الترس أن يقطع باستئصال أهل الاسلام، فما بالنا نقتل من لم يذنب قصدا ونجعله فداء للمسلمين، ونخالف النص في قتل النفس التي حرم الله تعالى؟ قلنا: لهذا نرى المسألة في محل الاجتهاد ولا يبعد المنع من ذلك، ويتأيد بمثله السفينة، وأنه يلزم منه قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها ترجيحا للكثرة، إذ لا خلاف في أن كافرا لو قصد قتل عدد محصور كعشرة مثلا وتترس بمسلم، فلا يجوز لهم قتل الترس في الدفع، بل حكمهم كحكم عشرة أكرهوا على قتل، أو اضطروا في مخمصة إلى أكل واحد، وإنما نشأ هذا من الكثرة، ومن كونه كليا، لكن للكلي الذي لا يحصر حكم آخر أقوى من الترجيح بكثرة العدد، وكذلك لو اشتبهت أخته بنساء بلدة حل له النكاح، ولو اشتبهت بعشرة وعشرين لم يحل، ولا خلاف، أنهم لو تترسوا بنسائهم وذراريهم قاتلناهم وإن كان التحريم عاما، لكن تخصصه بغير هذه الصورة، فكذلك ههنا التخصيص ممكن، وقول القائل هذا سفك دم محرم معصوم يعارضه أن في الكف عنه إهلاك دماء معصومة لا حصر لها، ونحن نعلم أن الشرع يؤثر الكلي على الجزئي، فإن حفظ أهل الاسلام عن اصطلام الكفار أهم في مقصود الشرع من حفظ دم مسلم واحد، فهذا مقطوع به من مقصود الشرع، والمقطوع به لا يحتاج إلى شهادة أصل، فإن قيل: فتوظيف الخراج من المصالح، فهل إليه سبيل أم لا؟ قلنا: لا سبيل إليه مع كثرة الأموال في أيدي الجنود، أما إذا خلت الأيدي من الأموال ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر، ولو تفرق العسكر واشتغلوا بالكسب لخيف دخول الكفار بلاد الاسلام، أو خيف ثوران الفتنة من أهل العرامة في بلاد الاسلام، فيجوز للامام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند، ثم إن رأى في طريق التوزيع التخصيص بالأراضي فلا حرج، لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو
(١٧٧)