الشاهدين، وإن كانا عدلين، للعلل التي يجب بها رد الأخبار، كما ترد شهادة الشاهدين، وإن كانا عدلين، للعلل التي توجب ردها، ولا يدل ذلك: على أن شهادة الشاهدين غير مقبولة عند تعريتهما من العلل الموجبة لردها، ولا يمكن هذا القائل أن يثبت عنهم في ردهم لهذه الأخبار التي ذكروها: أنهم ردوها لأنها أخبار آحاد، دون أن يكونوا ردوها لعلل أخر غيرها، على النحو الذي نقوله.
ثم لو كان ظاهر ما ورد عنهم من ردهم لهذه الأخبار محتملا أن يكونوا ردوها لعلل أوجبت ردها، واحتمل أن يكون لأنها أخبار آحاد سقط احتجاجه بها، إذ ليس هو أسعد بدعواه هذه منا فيما ذكرناه، فيحتاج حينئذ أن يستدل على خصمه بغيرها، وعلى أن الدلائل ظاهرة: على أنهم لم يردوها لأنها أخبار آحاد، لأنهم قد استفاض عندهم قبول أخبار الآحاد في غير ذلك من الأمور، فدل على صحة ما وصفنا.
ونحن نبين مع ذلك وجه كل خبر من هذه الأخبار التي ذكرها. ويدل على أنها لو تعرت مما روى عنهم في قبول أخبار الآحاد، لما دلت: على أنهم ردوا ما ردوا منها لما ذكره.
فنقول وبالله التوفيق: إن قول أبي بكر رضي الله عنه للمغيرة في ميراث الجدة: ائتني.
بمن يشهد معك، حتى شهد معه محمد بن مسلمة رضي الله عنه، فإن عيسى بن أبان رحمه الله ذكر: أن أبا بكر رضي الله عنه لم يطلب من المغيرة هذا إلا احتياطا، وإلا قد ضعف الخبر عنده.
إما: لعلة لم يعرفها، وإما: أن يكون المغيرة أخبر: أن ذلك كان بحضرة قوم سمعوه معه، أو أن يكون أخبر: بأن ذلك كان في وقت قريب بالمدينة، بحضرة المهاجرين والأنصار، ولم تكن طالت المدة. ولا يمكن في مقدار ذلك أن يكون قد تفرق من حضره وعلمه، فقال (1) أبو بكر: أن تأتني بمن يشهد معك عليه، فلم يبعد، (2) أبو بكر من أن يكون رد خبر المغيرة لعلة أوجبت رده، لو قد زالت لقد كان خبره عنده مقبولا.
وقد روى أن أبا بكر الصديق قضى بقضية بين قوم. فقال بلال رحمه الله: أشهد أنهم اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه ه وسلم فقضى في ذلك بينهم بخلاف ذلك، فردهم أبو بكر ونقض قضاءه، وقضى بينهم بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد قضى أبو بكر بخبر بلال وحده،