وقوله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) (1) فكان الاقتصار على الأمر بالشهادة وبإقامة الشهادة موجبين - لقبولها ولزوم الحكم بها، وإن لم ينص على وجوب الحكم بها، إذ كان معقولا من ظاهر اللفظ أن (أمرنا بإقامتها) (2) وأدائها - موجب لقبولها، فكذلك أمره تعالى كل طائفة على حيالها بإنذار قومها قد اقتضى لزوم حكم الإنذار بقولها.
وأيضا: فإن كل أحد ممن سمع من النبي عليه السلام حكما فهو مأمور بإبلاغه بظاهر الآية، سواء كان منفردا بسماعه، أو مشاركا لغيره فيه، فدل ذلك على: أن الحكم قد تعلق لزومه بخبره، وأما الشاهد فإنه إن لم يكن هناك شاهد غيره، فليس عليه إقامة الشهادة، فدل ذلك: على أن من حكم الخبر تعلق قوله بإخبار المخبر به وحده، وأن من حكم الشهادة تعلق صحتها به وبغيره.
وأيضا: لما قال تعالى: (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)) (3) ومعناه لكي يحذروا، فأوجب عليهم الحذر من مخالفتهم ما سمعوه، كما قال (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) (4) دل ذلك على لزوم العمل به.
فإن قيل: ليس في إيجابه الحذر بإنذار طائفة دلالة على لزوم قبول خبرها، لأن الحذر ليس من الحكم الذي تضمنه (5) خبر الطائفة في شئ، وقد يجب على الإنسان الحذر في سائر أحواله، من تقصير يقع منه في حقوق الله تعالى.
قيل له: إنما المعنى في ذلك - والله أعلم - لكي يحذروا من مخالفة ما أنذرت الطائفة به كقوله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). (6) فإنما أمرهم بالحذر من العقوبة في مخالفتهم ما أخبرت به الطائفة، ولو كان المراد ما ذكره السائل - لما كان الإنذار قد ألزمه شيئا، إذ كان الحذر من الوجه الذي ذكره واجبا قبل إنذار الطائفة وبعده.