النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا لهم، وأثنى عليهم، ومدحهم - وجب اتباعهم، لأنه (1) لا يدعو لهم ولا يمدحهم إلا وهم مؤمنون.
قيل له: وما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له في صاعهم ومدحهم مما يوجب كون إجماعهم حجة، وكيف وجه تعلق صحة إجماعهم به، وكذلك قوله: من أرادهم بسوء أذابه الله كما يذوب الثلج، لا تعلق له بحجة الإجماع، لأنه ليس في الخلاف (عليهم) (2) إرادتهم بسوء، ولو كان كذلك لكانت (3) الصحابة حين اختلفت في الحوادث التي اجتهدوا فيها آراءهم قد أراد بعضهم بعضا بسوء.
وأيضا: فإنما دعا لأهل المدينة الذين كانوا في عصره، لأنهم كانوا مهاجرين وأنصارا، وكانوا مجتمعين في المدينة، ثم تفرقوا في البلدان بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كنت إنما جعلت إجماع هؤلاء حجة، فهذا ما لا تنازع فيه، وإن أردت إجماع من بعدهم، فما الدليل على أنهم بالوصف الذي ذكرت بعد ذهاب الصحابة؟.
(ومعنى) (4) قوله: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها): أنها دار الهجرة، هاجر إليها المسلمون من دون الشرك، فلما زال فرض الهجرة زال ذلك، لأنه قد كان بعد زوال الهجرة لكل أحد أن يقيم في قبيلته وحيه وبلده، ولا يهاجر إليها، ولو كان ذلك حكما عاما في سائر الأزمان، لوجب أن يكونوا كذلك الآن، ونحن لا نعلم في هذا الوقت أهل مصر من الأمصار الكبار وقد استولى عليهم من الجهل وقلة الدين، وفساد الاعتقاد، وعدم الخير ما استولى على أهل المدينة.
فإن قيل: قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الدجال لا يدخل المدينة، وإن على كل نقب (5) من أنقابها ملكا شاهرا سيفه) (6) وهذا يدل: على حراسة الله عز وجل إياهم، وأنه قد أبانهم بذلك من غيرهم، فوجب أن تكون لهم مزية في لزوم اتباعهم.