بعدهم. فوجب بهذا أن يكون سكوتهم بعد ظهور القول وانتشاره: دلالة على الموافقة. ولو لم يصح الإجماع من هذا الوجه، لما صح إجماع أبدا، إذ غير ممكن أن يضاف (1) شئ من الأشياء بقول إلى جميع الأمة: على (أنها قد قالته ولفظت به) (2) وإنما يعتمدون فيه على ظهور القول فيهم، من غير مخالف لهم.
وقال بعضهم ممن لا يؤبه له: الإجماع الذي يحكم بصحته وينقطع به العذر: هو اتفاق العلماء على موضع الكعبة من مكة، وموضع الصفا والمروة، وأن شهر رمضان: هو الشهر التاسع، من ذلك، ونحو ذلك، وما عدا هذا قلم يقم الدليل (3) بإيجابه.
فيقال له: من أين علمت: أن العلماء متفقون على ذلك، هل لقيت كل واحد منهم من أسلافهم وأخلافهم فأخبروك (بذلك)؟! (4) فإن قال: نعم. أكذبه الناس كلهم، وإن قال: لا. قيل له: فلم قضيت باتفاقهم عليه؟ وهل علمته إلا من حيث استفاض ذلك من جماعة ولم ينكره منكر؟ إذ لا سبيل إلى إثباته إلا من هذه الجهة. فهلا جعلت هذا عيارا (5) في أمثاله، مما لم يظهر وينتشر؟ ثم لا يوجد (6) لأحد من أهل ذلك العصر خلاف فيه فنثبته إجماعا؟ (7)