منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٦ - الصفحة ٢٥٥
الأولى: انه يبتني على القول بعدم شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الاجمالي.
وصاحب الكفاية لا يقول بذلك، بل يقول بشموله لأطرافه - كما ستعرف الجهة الثانية: انه يقتضي أن يكون المورد من مصاديق ذلك الحكم - أعني: عدم شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الاجمالي -، فلا وجه لجعل المحذور في جريان الاستصحاب في المورد شيئا آخر برأسه - غير ذلك -، وهو:
" عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين " - كما هو صريح العبارة -.
ثم (1) ان المحقق العراقي (رحمه الله) بعد ما ذكر كلام الآخوند بهذا

(١) تحقيق الكلام في هذا البيان وما أفاده المحقق العراقي في رده أن يقال:
أما أصل المحذور بالبيان المزبور فيدفعه أن قوله (ع): " ولكن تنقضه بيقين آخر " ليس تقييدا لدليل الاستصحاب أو تخصيصا لعمومه، فهو ليس بمنزلة الاستثناء أو الوصف، بل هو بيان لحكم آخر مستقل ذكر بعنوان الاستدراك لما يتوهم من عدم قابلية اليقين الحادث للنقض بتاتا - كما هو ظاهر قوله " لكن " - ومحصل هذا الحكم هو بيان أن ما من شان النقض هو اليقين الاخر المخالف لليقين بالحدوث فلا يلزم منه تغيير موضوع دليل الاستصحاب وتقييده بل موضوعه على ما هو عليه بلا تغير.
فلو فرض عمومه - أي الذيل - لليقين الاجمالي فهو يصطدم مع دليل الاستصحاب ويتنافى معه في مورد إحراز انطباقه، مع إحراز انطباق دليل الاستصحاب، فإنه يتحقق التهافت بين الدليلين - على ما قيل - نظير الدليلين المتعارضين، ومقتضى التصادم هو التساقط، لا أنه يخرج مورده عن عموم دليل الاستصحاب رأسا - كما هو شان الدليل المخصص -.
ومن الواضح أن التصادم إنما يحصل مع احراز انطباقه إما مع الشك في انطباقه على مورد الاستصحاب فلا يصادم دليل الاستصحاب، لأنه لا يكون حجة مع الشك في الانطباق، فيكون دليل الاستصحاب حجة بلا مزاحم، إذن فمجرد الشك في انطباق اليقين الاجمالي لا يضر بجريان الاستصحاب، إذ لا تكون الشبهة مصداقية بالنسبة إلى عموم دليل الاستصحاب، بعد أن لم يكن دليله مقيدا بمفاد الذيل، فتنبه.
وأما ما أفاده المحقق العراقي في رده: فقد عرفت ما توجه عليه، ولكن يمكن توجيه ما أفاده (قده) بان نظره ليس إلى مجرد تعلق العلم الاجمالي بالصورة الذهنية وعدم سرايتها إلى الخارج كي يقال إن هذا الكلام متأت في العلم التفصيلي بل الشك وغيره من الصفات النفسية التعلقية. بل نظره (قده) إلى أن تعلق العلم بالصورة الذهنية يمنع من تحقق النقض بالعلم الاجمالي. بيان ذلك: إن العلم والشك من الصفات المتضادة التي لا يمكن اجتماعها في شئ واحد، فإذا كان متعلق الشك أو العلم هو الشئ بوجوده الخارجي فيما أنه لا تعدد فيه يمتنع أن يكون موردا للشك والعلم في آن واحد، فإذا فرض تحقق العلم الاجمالي، وتعلقه به لم يكن متعلقا للشك. وبذلك يتحقق انتقاض اليقين السابق.
أما إذا فرض تعلق الشك أو العلم بالشئ بوجوده الذهني فيما أن الشئ يمكن أن يكون بلحاظ صورة الذهنية متعددا لتعدد العناوين المنطبقة عليه أمكن أن يكون متعلقا للشك والعلم في آن واحد مع تعدد العنوان، لاختلاف متعلق الوصفين حقيقة - بعد أن كان هو العنوان والصورة الذهنية - فيكون متعلقا للشك بعنوان ومتعلقا للعلم بعنوان آخر.
وعلى هذا الأساس يمكن أن يجتمع العلم الاجمالي مع الشك ولا ينتقض الشك به لان متعلق العلم هو الشئ بعنوانه الاجمالي ومتعلق الشك هو الشئ بعنوانه التفصيلي. وإذا لم يكن العلم الاجمالي مناقضا للشك ورافعا له لم يكن ناقضا لليقين السابق لا محالة. ولذلك لم يكن العلم الاجمالي صالحا للنقض، بخلاف العلم التفصيلي فإنه يتعلق الشك فيه فيستلزم نقضه وارتفاعه فيكون ناقضا لليقين السابق.
وبالجملة: مرجع ما أفاده (قده) إلى عدم صلاحية العلم الاجمالي لنقض اليقين السابق واختصاص اليقين الناقض التفصيلي، فاشكاله في المقام هو الاشكال في كبرى المسالة - بلا خصوصية للمقام - وهي عدم جريان الاستصحاب في موارد العلم الاجمالي أو جريانه. وسيأتي تحقيقه في محله، فتدبر.
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 252 253 254 255 256 257 259 260 261 ... » »»
الفهرست