منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٦ - الصفحة ٢٥٩
المحذور الثاني (1): ان الأثر انما يترتب على عدم الحادث في زمان وجود
(١) لا يخفى أن هذا الوجه مع الوجه الأول الذي ذكره صاحب الكفاية بالبيان الذي ذكرناه ليسا في عرض واحد ولا يردان على تقدير واحد، بل كل منهما وارد على تقدير.
وتوضيح ذلك: أن الموضوع للأثر المردد بين أمرين تارة يكون له واقع خارجي مشخص بأحد المشخصات لكنه مردد بين عنوانين يحتمل انطباق كل منهما عليه، كما لو رأيت شيخا يتكلم لكنه كان مرددا بين كونه ابن زيد أو ابن عمرو. وأخرى لا يكون له واقع مشخص بل يكون واقعه مرددا بين وجودين، كما لو تردد الجائي بين كونه زيدا أو عمرو.
ففي الأول يكون موضوع الأثر وجودا معينا لكنه مردد بين عنوانين. وهو المرئي أو المسموع صوته، فان هذا العنوان يشير إلى واقع مشخص.
وفي الثاني يكون موضوع الأثر مرددا بين وجودين، كعنوان الجائي فإنه لا يشير إلى واقع معين مشخص بل يشير إلى واقع مردد بين وجودين أحدهما زيد والاخر عمرو.
والفرق بين الصورتين: أنه في الصورة الأولى يمكن جعل هذا المردد موضوع الأثر على كل تقدير وإن كان على أحد تقديريه لا يثبت له الحكم واقعا، فيمكن الحكم في المثال المتقدم باكرام هذا المتكلم سواء كان ابن زيد أو ابن عمرو. وإن كان حكم ابن زيد هو عدم وجوب الاكرام، لتحقق الشك في وجوب إكرام هذا الموجود فيتعبد بوجوب إكرامه، ولا يتنافى الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي المخالف له. وأما في الصورة الثانية، فلا يمكن التعبد بترتب الأثر على كل تقدير إذا فرض أنه غير ثابت له واقعا على أحد تقديريه.
وذلك لان المفروض أن العنوان يشير إلى وجود مردد، والوجود هو موضوع الأثر لا العنوان، والمفروض أن الوجود على أحد تقديريه لا يشك في ثبوت الحكم له، فلا يمكن التعبد الظاهري بوجوب إكرام الداخل سواء كان زيدا أو عمرا، لأنه - مثلا - لو كان زيدا يعلم بعدم وجوب إكرامه فلا شك في الحكم بالنسبة إليه، فكيف يتعبد بوجوب إكرام الداخل - وهو عنوان مشير إلى أحد الوجودين - على كل تقدير بعد أن كان فردا مرددا؟ والتعبد فرع الشك.
إذا اتضح ذلك: فنقول: إن موضوع الأثر فيما نحن فيه هو عدم التقسيم في زمان الاسلام - مثلا -، وزمان الاسلام على الفرض مردد مجهول الانطباق على أي الأنين - الثاني أم الثالث -.
وعليه، فان لو حظ زمان الاسلام مما له واقع مشخص غاية الامر أنه يتردد عنوانه، نظير الشبح المرئي المردد بين كونه ابن زيد أو ابن عمرو. فالتعبد بعدم القسمة في زمانه على كل تقدير لا محذور فيه كما عرفت، لكن يجئ اشكال صاحب الكفاية من تردد هذا الزمان بين زمانين أحدهما منفصل والاخر متصل فلا يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين.
وإن لو حظ زمان الاسلام عنوانا مشيرا إلى وجود مردد بين فردين وهما الآن الثاني والآن الثالث. كما هو الظاهر حيث أنه لا واقع له سوى أحد هذين الأنين وهو بالنسبة إليهما من قبيل العنوان المشير وليسا هما بالنسبة إليه من قبيل العنوان إلى المعنون - جاء ما ذكرناه من الايراد - في المتن - وهو أن العدم لا يشك فيه على كل تقدير من تقديري زمان الاسلام، لأنه على تقدير كون الآن الثالث فهو منتقض ومتبدل إلى الوجود قطعا.
نعم هو مشكوك في الآن الثاني الذي يحتمل بكون زمان الاسلام أيضا. فالشك فيه على أحد تقديري زمان الاسلام لا على كلا تقديريه، فلا يمكن التعبد به على كلا التقديرين، والمتعبد على أحد التقديرين لا أثر له شرعا لعدم إحراز الجزء الاخر، وهو الاسلام معه وفي ظرفه. فظهر أن هذين الايرادين لا يردان على تقدير واحد.
والذي يتلخص في مقام نفي الاستصحاب في مجهول التاريخ في نفسه: أنه إن كان زمان الحادث الاخر ذا وجود مشخص غاية الامر أنه مردد بين عنوانين، لم يجر الاستصحاب لعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين. وإن كان مرددا بين وجودين، لم يجر الاستصحاب لعدم الشك على كل تقدير.
وعلى هذا التقدير يتفرع الايراد الثالث الذي ذكرناه مفصلا في المتن. وخلاصة المحذور فيه: أن عنوان زمان الحادث الاخر لا يصدق إلا مع العلم بتحققه لان معنى زمان الحادث هو زمان تحقق الحادث، ولا يمكن الحكم على زمان بأنه زمان تحقق الحادث إلا إذا كان معلوم التحقق فيه، والآن الثاني لا يعلم أنه قد تحقق فيه الاسلام، فاجراء إصالة عدم القسمة فيه لا يتحقق به التعبد بالعدم في زمان الاسلام بل في زمان احتمال الاسلام، وهو غير موضوع الأثر، فلا مجال لاحراز أنه زمان الاسلام إلا بنحو يستلزم الدور وكون الأصل مثبتا فتأمل في ذلك تعرف.